خلال الأعوام القليلة الماضية شهد الجهاز الإداري للدولة برامج إعادة هيكلة وإصلاح إداري وقد تفاوتت هذه البرامج من حيث شموليتها ؛ ووتيرة كفاءة التنفيذ ؛ ومستوى الاهتمام والإنجاز في كل ما يتعلق بسياسات التنظيم الإداري لمنتسبي هذا الجهاز.
وقد نالت السياسة الأجرية دون سواها الحظ الأوفر من الاهتمام وأهملت هذه البرامج مسألة أحداث نقلة نوعية في أساليب التطوير الوظيفي للموظف العام.
تتجلى مظاهر هذا الإهمال في عدم إيلاء مسألة التدوير الوظيفي الذي يعد مكوناً من مكوناته أي اهتمام يذكر، الأمر الذي أدى إلى إحداث هوة واسعة وعدم تناسب بين تطلعات الموظف وواقع مسار عمره الوظيفي؛ في أغلب المؤسسات والمصالح الحكومية التي باتت رهينة لمراكز قوى وأطراف ترى أحقيتها في الاستحواذ على الوظيفة العامة وكل ما يتعلق بمسائل التنظيم الإداري لها؛ وبالأخص مسألة التدوير الوظيفي للموظف أكان هذا التدوير أفقيـاً أو رأسياً؛ حيث كان في الغالب يتم أساساً على الاجتهادات والميول الشخصية لهذه الأطراف ومراكز القوة.
وبالرغم من الأهمية المتزايدة لمسألة التدوير الوظيفي كأحد الأساليب والتقنيات الإدارية الحديثة الذكية للاستثمار والاستفادة من الموارد البشرية؛ وحاجة جهازنا الإداري الماسة إلى التجديد والإبداع والتطوير في عمله وإجراءاته عبر تدعيم هذا المفهوم الذي كان للمعهد الوطني للعلوم الإدارية قصب السبق في تبنيه؛ كضرورة من ضرورات التنظيم الإداري؛ وكحق من حقوق الموظف الأساسية في الحصول على فرص متساوية، فأن هذا الأمر شابته كثرة الإعاقات والموانع على مدى العقدين الماضيين.
ولعل الإقرار العام بهذه الحقيقة هو الذي حتم على الحكومة التوافقية ممثلة بمعالي وزير الخدمة المدنية والتأمينات/ نبيل شمسان في أكثر من لقاء أن يفتح هذا الملف؛ وقد كان اللقاء التلفزيوني الذي عقده في قناة سهيل أحد نماذج الاستجابة الضرورية - إدارياً على الأقل لمناقشة هذا الحق الجوهري من حقوق الموظف.
ولاشك أن مفهوم التدوير الوظيفي يلقي اهتماماً واسعاً على المستوى الحكومي على الأقل راهناً؛ ويتضمن ذلك حق كل موظف التدرج في السلم الوظيفي بجهده واختياره وبحثه؛ دون أن يلغي أي نوع من الإعاقة مادام لا يتجاوز بهذا الحق حقوق الآخرين، وحقه في التدرج ينبغي أن يكون مكفولاً بشتى الوسائل.
إن هذا الحق أشار إليه معالي الوزير في سياق حديثه من زاوية قانونية؛ حين أوضح أن مشروع قانون التدوير الوظيفي سيكون هو المنظم الفيصل بهذا الشأن.
هذه الإشارة إلى مشروع القانون المزمع إقراره يستدعي بداهة السؤال عن حدود ممارسة هذا الحق؛ ومن ثم تبرز مسؤوليات محددة تستوجب إخضاع هذا الحق لعدد من القيود، وحتى لا تتحول هذه القيود إلى إجراءات تعسفية تصادر حقوق الموظف من أساسها؛ لابد من وضع بعض الشروط التي تحد من جور هذه القيود؛ منها: (أن تكون هذه القيود مفروضة بقانون؛ أي بأداة تشريعية).
لقد أوضحت السطور السابقة أموراً تشير إلى موضوعيه تناول مفهوم التدوير الوظيفي؛ لكن هذه السطور أيضاً تنبه إلى وجوب التناول الموضوعي لما يطرح من شعارات ثورة المؤسسات المطالبة بتدعيم هذا المفهوم؛ فتشابك المصالح والأهواء تحتم فرز ما فيه إعلاء شأن هذا المفهوم كحق جوهري من حقوق الموظف عن ذلك الذي يتوخي الضغط ولابتزاز السياسي بذريعة تلك الحقوق ؛ والأمثلة كثيرة في وطننا؛ حيث تفرض مراكز القوى المتفيدة للوطن والوظيفة العامة على وجه الخصوص ضغوطها باسم التدوير الوظيفي؛ حرصاً منها على حقوق الموظف؛ ضمن مصالحها الاقتصادية والسياسية؛ فنرى – في الوقت نفسه – ضغوطاً هنا ودعوات من اجل تطبيق مفهوم التدوير الوظيفي ؛ وفي مؤسساتها تتخلي عن تلك الضغوط والمطالبة؛ حيث مصالحها المباشرة مرتبطة بذلك القائد أو المدير الذي تعمل على تلميعه وإعادة تجهيزه لطرحه مرة أخرى قائداً للبناء والإصلاح.
ولعل الاتفاق على مفهوم التدوير الوظيفي من حيث آلياته؛ ووسائله؛ وطرقه يكون رادعاً استباقياً لتدقيق الفرز بين المغرض؛ وذلك البريء من الغرض في المناداة بالتدوير الوظيفي، ولاشك بأن المناداة بذلك جهاراً كان فرصة لفتح ملف من أهم ملفات حقوق الموظف شأناً.. وقد تكون بعض الصرخات حادة بدرجة أو بأخرى؛ لكن قطعاً إنها كانت فرصة للتنفس والإعلان عن الوجع والألم لدى كثير من الموظفين في المؤسسات والمصالح الحكومية.
وحتى لا يتحول التدوير الوظيفي إلى فوضى وحتى لا يجد المعادون له ذرائع لخنقه، لعل أفضل ما نقترحه هو إقامة موقع على شبكة الانترنت يرصد حقائق ووقائع عن المطلوب إقالتهم لتكوين رأى عام.. أولاً: يساند متخذي القرار على الإقالة دون تجنى وثانياً: يهيئ المطلوب إقالتهم نفسياً لتقبل ذلك حتى لا تتكرر مأساة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة مرة أخرى، وقد يكون التدوير الوظيفي بشكل منظم ومجدول وفق خطة إدارية مدروسة هو البلسم الشافي لأوجاع الموظف.
المعهد الوطني للعلوم الإدارية – عدن.
Dr.gafori@hotmail.com
د. جمال عبدالغفور محمد
التدوير الوظيفي 2497