أجمل ما في المرء حسن خلقه، وأعظم ما يترجم حسن الخلق لسان الإنسان حين يتحرى الصدق وينطق بالحق ويحلّي أقواله بالوقار مهما كانت الحقيقة التي ينطق بها قاسية أو حتى على غير سلوك سوي.
لسان الإنسان بساطه الذي يطير بسرعة البرق، حاملاً على ظهره كنوز المعاني وروائع المفردات، وهو أيضاً ترجمان الوصل بين الصوت والحركة حين يصبح تصويراً لأحداث مقروناً بالتوثيق، وهو أداة التوجيه والنصح والإرشاد حين يكون رأسمال صاحبه الوعظ والجهاد اللفظي والمعنوي.
اللسان ذاكرة الروح التي تصور وتحفظ وتحلل وتطبع كل ما يجول في كواليس النفس من خير وشر، وهو قلم الجسد الذي يكتب بنكهة الحواس وطعم الرغبات حتى يكاد يفضح صاحبه.
بألسنتنا نستطيع أن نصبح في القمة أو نكون في الحضيض، لأنها هي من تقدمنا على خشبة المسرح البشري على أننا أطهار أو أنجاس مهما كان لها كواليسها الغامضة، نستخدم ألسنتنا أحياناً في أردأ الأعمال كالسباب والشتائم وقذف أعراض الناس بالباطل.
وكثيراً ما ألحظ وأنا أسير خارج منزلي أن من الناس من لا يكاد يتوقف عن السباب والشتيمة حتى يعود إليه بعد دقائق بسبب أو بدون سبب، وسواء كان المقصود إنساناً أم حيواناً أم جماداً، فرداً أو جماعة، ذكراً أو أنثى، وهذا يعطي انطباعاً سيئاً لدى الآخرين من ذلك الشخص الذي لا يستطيع تقييد عجلة لسانه أو كبح جماحها في الوقت المناسب، وهو أيضاً يحمل الإنسان وزراً جديداً فوق أوزار سابقة اقترفها في حق نفسه أو في حق الآخرين دون أن يشعر.
توقف حالاً عن تحميل ردود أفعالك وزناً زائداً، وإذا غضبت أشغل نفسك بالاستغفار عشر مرات وامنح نفسك فرصة للنسيان أو التناسي وإن كان ذلك أمراً صعباً.
الشتائم والسباب والألفاظ الخارجة عن حدود الأدب تعود كلها على صاحبها في حركة مغناطيسية، مطاطية سريعة قد نشعر بآثارها فيما بعد، لكننا لا نرى آلية حدوثها مرهونة باللحظة.
حديث النبي – صلى الله عليه وسلم: "لا يسب الرجل أباه" تصديق لهذه الحقيقة وتوفيق لها مع قاعدة "دقّة بدقة".
أكثر ما يلفت نظري أن تُحشر الأم ويوضع الأب في وسط تلك الشتائم وعلى أطرافها وفي منتهاها، وكأن هذان العظيمان أرخص ما يملك المرء من هؤلاء، ما الذي دهاكم لتذكروا أمهات الناس وآبائهم مقرونين بأسوأ الألفاظ وأكثرها قذارة وسقوطاً أخلاقيا؟! في حين لم يكونوا شاهديها؟! منهم من هو آمن في بيته، مطمئن ومنهم من بات تحت التراب ومع هذا تؤذونهم بتلك الألفاظ خائرة القوى، عديمة الجدوى، وكأنكم حين تلقونها -بلا أسف- تنشدون الشعر وتسردون على مسامع الناس نثراً جديداً، فاسد اللون والوزن والمعنى.
أصلحوا ذلك الخلل في نفوسكم الذي أصبح يسرب مواداً سامة تخرج عبر أفواهكم وتحملها ملاعق ألسنتكم وهي مُكرهة.
ألطاف الأهدل
لسانك.. ملعقة روحك 1848