عندما تجاهلنا أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر، استطاع الآخرون السيطرة على كل شيء داخل الوطن, ليس المناصب الحكومية والثروات فحسب, بل وعلى الثقافة والتاريخ ووعي الشعب وقدراته وأفكاره ومشاعره، وصار الحاكم في نظرة العامة من المواطنين هو الصادق والعالم والأولى في تسيير شئون البلاد والأعلم بمصلحة المواطن والخبير في كل صغيرة وكبيرة.
وخلال الثلاثين العام الماضية سواء في اليمن أو غيرها من البلدان العربية استطاع النظام أن يجسد ذلك في عقلية المواطن من خلال الإعلام وسن القوانين واتخاذ القرارات والثقافة وغيرها، حيث وظف كل ذلك لخدمة مصالحه وبقاء نظامه، بل وتهيئة الكرسي لأبنائه وحاشيته من بعده غير مبال إن كان نظام الحكم في بلده جمهورياً أم ملكياً، وعندما جاءت الفضائيات والإعلام المستقل والديمقراطية وحرية الرأي والعولمة وغيرها، بدأ الإنسان العربي يدرك حجم الظلم والديكتاتورية والفساد والاستبداد التي تمارسه هذه الأنظمة بحق شعوبها وبلدانها، على عكس بقية دول العالم الشرقي والغربي، شاهد الإنسان العربي كيف الشعوب والأنظمة العالمية الأخرى تعطي حقوقاً للحيوان بعدما أعطت الإنسان كافة حقوقه في الحياة.
وفي بداية العام 2011م جاء محمد البوعزيزي بثورات الربيع العربي التي سرعان ما تفجرت في العديد من الدول العربية طبعاً، لأنه كما يقول المثل المصري (الحال من بعضه) ولأن الحاكم في تلك الأنظمة العربية الديكتاتورية التي تم إسقاطها كان يتقلد إلى جانب رئاسة الجمهورية أكثر من منصب ويستحوذ على كل شيء فهو الرئيس وقائد الجيش ورئيس مجلس القضاء ورئيس الرياضيين ورئيس الحزب الحاكم وهو الشاعر المثقف وغير ذلك، فمجرد أن يرحل الرئيس عن كرسي الرئاسة يتهاوى نظامه الهش ويبدأ رجال الدولة في الاستقالات أو محاولة الهروب والسفر إلى الخارج.
وفي بلادنا كان يظن الكثير من قيادات الحزب الحاكم ومسئولي الدولة والمرافق الحكومية انه حتى وإن وقع الرئيس صالح على المبادرة الخليجية، فالذي سيتولى المهام بعده هو نائب الرئيس وأمين عام المؤتمر الحزب الحاكم، لذا فإنهم سيظلون في مناصبهم على رأس تلك الوزارات والمرافق الحكومية التي يديرونها، وتجاهل هؤلاء أن كل واحد منهم غارق في المخالفات والفساد المنظم الذي مارسوه خلال عشرات السنين الماضية وهنالك آلاف الوثائق التي تكشف عبثهم ونهبهم لتلك المؤسسات خلال تواجدهم في تلك المناصب، بل إن البعض منهم وصل إلى سن التقاعد وهو لا يزال في ذلك المنصب، ومن أجل مواصلة المشوار يتم تقاعده وفي نفس الوقت التعاقد معه لإدارة تلك المؤسسة أو المرفق الحكومي، ولم يسأل واحد من هؤلاء نفسه لماذا خرج الشعب بأكمله، تاركين منازلهم وافترشوا الشوارع قرابة العام مطالبين بإسقاط النظام ورحيل الرئيس؟ رغم أن الإجابة واضحة للعيان، لأن هذا الرئيس المسؤول الأول أمام الله عز وجل في هذه البلاد وخلال أكثر من ثلاثين عاماً مضت، لم يحاسب فاسداً في أي مرفق حكومي ويحاكمه على المخالفات التي ارتكبها ويسأله من أين لك هذا؟.
لذلك فما أن تم التوقيع على المبادرة الخليجية والشروع في تنفيذ آليتها المزمنة حتى واصلت الثورة اشتعالها ليس في الساحات فحسب، بل وداخل كل مؤسسة ومرفق حكومي للمطالبة بإقالة من نهبوا مستحقات الموظفين وعبثوا في تلك المؤسسات وإيراداتها واعتماداتها وموازناتها ومشاريعها خلال تواجدهم على رأس تلك المؤسسات، وهذا أحد أهداف الثورة الشبابية الشعبية السلمية التي يجب تحقيقها ولن تتوقف الثورة عند الإقالة فحسب، بل والمحاكمة، فهذه أموال عامة ويجب إعادتها إلى خزينة الدولة، وما نؤكد عليه هو أن الثورة حتى بعد الانتخابات الرئاسية لن تتوقف فعالياتها، بل يجب على مختلف الائتلافات والتكتلات الثورية التي تشكلت خلال الأشهر الماضية في ساحات الحرية والتغيير مراقبة سير أداء مختلف المرافق الحكومية ابتداء من رئاسة الجمهورية وانتهاء بأصغر مرفق حكومي في اصغر مديرية حتى لا تمر ثلاثين سنة أخرى ونفكر في الخروج إلى الشارع والاعتصام والمطالبة بإسقاط نظام جديد.
حينها ربما لا نجد بوعزيزي آخر يشعل النار في جسده وهذا ما يجب أن لا نتجاهله، فاستمرارية الثورة الرقابية بعد الحفاظ على أهداف الثورة الشبابية ووفاء للدماء والأرواح الزكية التي أزهقت في مختلف ساحات الحرية والتغيير .
عبدالوارث ألنجري
استمرارية الثورة 1594