أن يكون الإنسان أباً أو أماً، فهذا معناه أنه حمل على عاتقه أمانةً عظيمة لن تستطيع أن تحملها الجبال على قممها أو تجري بها البحار عبر أمواجها أو تقلها السحاب على متنها، لأنك حينها تصبح مدرسة لهؤلاء الأطفال الأيتام من الحقيقة والفقراء للمعرفة والمساكين للقدوة، نعم فحين تكون أباً أو أماً يصبح لديك منهجية خاصة بقيادة الرعية، ولهذه المنهجية ثوابت وقواعد ينبغي أن يعيها الأطفال بهدوء بعد تدعيمها بطرق تربوية مختلفة بين الكلمة والصورة والمواقف المتحركة على أرض الواقع كتطبيق عملي لتلك النظريات التربوية الممنهجة، لكن الواقع اليوم فرض على الأمهات والآباء أسلوباً تربوياً رتيباً لا يكاد يفقه الأبناء منه شيئاً، إذ تصب قدرات الوالدان وخبراتهما التراكمية في بئر السلوك الإنساني والأخلاقي اليومي دون الاهتمام بمتطلبات المرحلة الراهنة أو محاولة شرح تفاصيلها للأطفال.
ولعل المشهد السياسي خلال الفترة السابقة كان مليئاً بالمفاجأت المدهشة للكبار والصغار والتي لا أشك أنها تركت أثرها العميق على كلا الفريقين بالقدر ذاته وإن اختلفت الكيفيات التطبيقية لهما، ولقد دعوت مراراً إلى ضرورة إدخال الطفل ضمن دائرة الحدث السياسي مع عدم إقحامه بتطبيق مفاهيمها الشرسة عملياً كالزج به في المظاهرات أو المسيرات أو الاعتصمامات وإبقاؤه كواجهة تحمل عنوان ما خلفها من كواليس مبهمة، بل يجب أن يفهم الطفل حقيقة ما يحدث وأنه لا يجب أن يكون فكرة في متناول الجميع من أي الفريقين، إذا أن استيعاب الطفل لهذا الواقع الحيوي بكل ما فيه يلغي حاجز الجهل والافتتان بالشعارات وإتقان دور الضحية البليدة في كل مرة يعود فيها الطفل من رحلة البحث عن الحقيقة، وفي الواقع نحن نضع حجر أساس متين من الخارج وهش جداً من الداخل لجيل أخرق لا يعي ما يفعل حين نبقي شريحة عريضة منه على هامش الحركة الاجتماعية والسياسية بحجة قصور الإدراك أو اليأس من قدرتهم على تقديم المساعدة سواءً فهموا الأحداث كما هي أو لم تسعفهم براءتهم في قراءة الواقع قراءة مبسطة، لكن هذا يثقل نسق الوتيرة الاجتماعية ويجعلها أكثر ارتباكاً وأقل جاهزية لاستيعاب قرارات سياسية عُليا تحاول تحييد الأطفال ونقلهم إلى مربع الإنسانية سواء في حالة الحرب أو السلم، وتبقى المسألة السياسية معلقة في مجتمعنا، كونها باتت بشقين منفصلين يحمل الأول علامة استفهام كبيرة جداً وأما الآخر فيبقي أبوابه مشرعة لجميع الإجابات المحتملة، إلا أن بئر السياسة لهُ دوله المثقوب دائماً وهذا ما يجعلنا نبقي مساحة إحتياط كافية لتجنيب الاصتطدام بقوانينها وقراراتها المتغيرة والمدبلجة وفق الحاجة.
أطفالنا اليوم بحاجة إلى درس سياسي توضيحي يشرح خفايا اللعبة ببساطة ويطور مفاهيم الكر والفر لديهم ويؤهلهم لاستنتاج ردود أفعال هادئة وطبيعية وغير مصحوبة بسوء النية وسبق التخطيط، يجب أن يعلموا أن هذه الأحداث التي تعصف بالوطن أتت من تقاعس الجميع عن أداء واجبهم بشكل كامل وبمنتهى الإخلاص لله ورسوله أولاً ثم لهذا الوطن العظيم ثانياً وثالثاً وعاشراً!.
ألطاف الأهدل
أطفالنا في غيابة الجُب السياسي! 2051