هل يجب ذلك؟ من أجل أن نزيل آثار القوة يجب أن نستخدم القوة؟!، في الحقيقة أصبحنا نعاني حالة ارتخاء فكري أعتقد أنها وصلت حد الترهل، ولهول ما كان فكرنا فضفافاً ويتسع لمختلف التكهنات أصبحنا نكيل من ردود الأفعال أضداداً تليها أضداد لتبرير ما لا يمكن تبريره وتصوير ما لا يمكن توثيقه وفبركة ما لا يمكن تصديقه حتى أننا أصبحنا نتفنن في خلط الحقائق وفرزها وإخراجها وعرضها على الناس في أسوأ صورها وأكثرها بلادة.
القوة قد تقتل وتحطم وتزيل الكثير من العقبات، لكنها لا يمكن أن تخفي الحقيقة وتواري الصدق وتلغي لغة ا لعقل الذي يستوعب الواقع ويدرك أبعاده البشرية والطبيعية بكل متغيراتها.
في تعز مثلاً نشهد أحداثاً ليلية جراء إطلاق القنابل والرصاص من قبل قوات بقايا النظام وأنواع أخرى من الأسلحة في ردة فعل معاكسة في الاتجاه وغير مساوية للفعل صورة ومعنى، لأن نتائجها تساوي خسائر بشرية ومادية فادحة.
في تعز التي غذت محافظات الجمهورية بالشعراء والكتّاب والمثقفين وأولوا الفكر المستنير يجد المرء نفسه حيراناً في وصف ما يحدث من فوضى وتخريب ورفض لصوت العقل واستخدام مفرط للقوة وكأن البشر في الشوارع "ديناصورات" عملاقة وليسوا بشراً ضعفاء من لحم ودم.
فكيف أمكن لمدرعة أن تقصف موتوراً؟ ودانة عملاقة أن تنفذ حكم إعدام على طفل لم تجد إلا رأسه إلى هذه اللحظة؟، ضعف الطالب والمطلوب.. هناك نوع من الشراهة للعنف لم نشهدها من قبل مطلقاً.
وصلت بخيالي ذات ليلة وأنا أموت حزناً من شعور أطفالي بالرعب من صوت القصف إلى أن هؤلاء سكارى أو مدمنو مخدرات! "ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون" المطففين [4].
حتى لو صدق القول إنهم من محافظات أخرى وقبائل مختلفة عن قبائل تعز وأنهم صغار لم يدربوا بجاهزية كاملة للقتال، حتى لو صدق ذلك القول، أليس لهؤلاء قلوب تنكسر أمام رهبة طفل أو خوف أنثى أو ذهول رجل مسن؟! أليس لهم عقول يفرقون بها بين حق وباطل؟! ألا يمل هؤلاء أن يبقوا عبيداً أو كلاباً بوليسية؟! في الحقيقة ما يحدث في تعز يشرخ جدار الصمت والعزلة ويوقظ مارد الإحساس بالظلم ولهذا لا أستغرب أن تزداد حدة التصعيد السلمي حتى يأذن الله بأمره.
ألا يكفي هذه المدينة ثكنات الفقر القابعة في كل حارة؟! ألا يكيفها متارس الجراثيم المليارية التي تسكن أكوان النفايات؟! ألا كيفيها سياسة التهميش التي أبقتها خارج حدود الأناقة والرقي الذي ربما حصلت صنعاء "الابنة الكبرى للنظام" على نصيب منه؟!
تعز اليوم ما عادت هي تعز الأمس، إنها الجريحة التي أقسمت أن لا تغسل دمها إلا بماء الانتصار والتحرر والخلاص من قيود الظلم، شوارع تعز العتيقة تحتضر كمداً وهي التي كانت شاهدة الحواضر والبوادي حي كان التاريخ طفلاً يغني على أنغام أيوب، أيوب الذي زفت حنجرته أعراس تعز، وما في المدينة من عرس كالذي تشهده اليوم.. إنه عرس الحرية الذي دفعت مهره مدينتنا أرواح أبنائها كأغلى ثمن.
تعز اليوم تشكو أمرها إلى خالقها، فيمن مزق ظهرها ونهش بمخالبه باطنها ونكأ بصلفه جراحها التي حاولت مراراً أن تنساها، لكن لدينا أملاً في رب عرش عظيم، هو أعظم من حكم، وأجود من رحم، وأكرم من أعطى ومنّ.
في تعز تستخدم قوة الظلم لقهر قوة العدل، وفي تعز أيضاً يستخدم الصغار لدرء مساوئ الكبار، وفي تعز لم يعد هناك مكان لأي جبان.. أي جبان.
ألطاف الأهدل
هل يجب استخدام القوة؟! 1888