عانى الصحفيون طيلة الفترة الماضية الكثير من المصاعب والقيود المصطنعة من قبل الحكومات اليمنية المتعاقبة, وبلغت الانتهاكات ضد الصحفيين ذروتها, ودفع العاملون في مجال الصحافة ثمن تلك الانتهاكات من أنفسهم حيث استشهد منهم من استشهد واختطف من اختطف, ومن الصحفيين من لا يزال خلف القضبان حتى يومنا هذا أمثال عبدالإله شائع وعبدالكريم ثعيل الذي اعتقل بعد مضي بضعة أشهر من الثورة, وبالتالي فإن أسوأ أيام الصحافة تلك التي تزامنت مع تربع الوزير اللوزي على هرم وزارة الإعلام, والذي أغلقت في عهده الكثير من المؤسسات الصحفية وأفلست بعض الصحف جراء المصادرة المستمرة لأعدادها من الأكشاك.
بعد سماع تشكيل حكومة الوفاق الوطني واقتران اسم الأستاذ/ علي العمراني بوزارة الإعلام تنفس الكثير من الصحفيين الصعداء, بحثاً عن أمل مرتقب قد يعيدهم إلى نشاطهم الصحفي, ويخفف عنهم الكثير من القيود التي فرضها سلفه اللوزي, فالأستاذ العمراني شخصية قريبة من الوسط الصحفي، تمتاز بسمات القبول بالآخر, ويتطلع منذ زمن طويل إلى أن يرى اليمن بصورة غير التي هي عليها الآن, بصورة مشرقة على نظير دول الخليج المجاورة, ولازلت أتذكر مقالة له يتحسر فيها على تردي الأوضاع في اليمن.
بشائر الخير كانت مع تربع الوزير العمراني، حيث أوقف الجندي عن عقد مؤتمراته الصحفية التي أصبحت أضحوكة منها تصريحات سياسية, ثم إعادة ثلاثين محرراً ومذيعاً إلى عملهم كانوا قد أوقفوا منه بعد تأييدهم لثورة الشباب, وإعادة باسليم لعمله ورسم خطة جديدة لإدارة الإعلام الذي تحكمت فيه عائلة طيلة عقود من الزمن, واستخدامها في التحريض على قتل المعتصمين ومتنفس للأبواق المستأجرة.
حضور الوزير العمراني تقديم العزاء لأسرة الراحل/ عبدالواحد الخميسي دليل على قرب العمراني من الجميع, فهو يرى في نفسه إنساناً بسيطاً قبل أن يكون صاحب منصب مرموق, يرى في منصبه تكليفاً أكثر منه تشريفاً, يرى من نفسه أباً للعاملين معه قبل أن يكون مسؤولاً يصدر أوامر ويدير وزارة, وهو ما قاله لأبناء الفقيد الخميسي " اعتبروني من اليوم والدكم ."
الوزير العمراني كاتب من الطراز الرفيع, وله حضور واسع في مجال الصحافة، منتقداً وناصحاً ومفسراً للأحداث, كانت مواقفه في مجلس النواب المناوئة للفساد دليل على وطنيته, ونال شرف الدخول في قائمة أوائل الثورة، حيث كان أول برلماني يجمد عضويته في البرلمان عقب اندلاع ثورة الشباب الشعبية السلمية, وكان اختياره لوزارة الإعلام ضربة معلم, وخطوة موفقة من قبل أحزاب المعارضة اليمنية.
قبل أيام قليلة نادى مجموعة من الصحفيين والناشطين بإلغاء وزارة الإعلام على غرار لبنان وبعض الدول التي تحترم الصحافة وحرية الصحفيين, تحت دعوى تحرر الإعلام من القبضة السلطوية, وهو مطلب عادل، لكن المرحلة التي تتطلب ذلك لازالت بعيدة وبعيدة جداً, وخصوصاً مع وجود متطفلين على مهنة الصحافة, ومطلب الدولة المدنية هو ما يجب أن ينادي به الجميع.
أمام الوزير العمراني تركة ثقيلة ومخلفات أكثر من الفساد المالي والإداري في وزارة الإعلام, وفي أكثر من مرفق من مرافقها السمعية والبصرية والورقية, وهو ما يتطلب هيكلة شاملة لوزارة الإعلام, ووضع خطط طموحة تعيد للإعلام الرسمي هيبته, وتحرره من العبودية الأسرية, والمصالح الشللية, ليكون إعلاماً متحرراً، مبني على المهنية والمصداقية والحيادية في نقل الأحداث والوقائع.
كما أن إعادة النظر في قوانين الصحافة التي عمل النظام البائد إلى إخراجها لحيز الوجود بهدف تكميم الأفواه ومصادرة الحريات يجب أن يكون في أولويات سلم الوزير العمراني, إضافة إلى إعادة النظر في محكمة الصحافة أو بالأصح – مشنقة الصحافة- والتوجيه للجهات المختصة بالوزارة بمتابعة قضيتي شائع وثعيل.
المسؤولية كبيرة وكبيرة جداً, وأملنا في الأستاذ العمراني أكبر، والمسؤوليات العظام لا يقوم بها إلا أناس عظام, نبارك لاستأذنا ونائبنا البرلماني الثقة التي حظي بها من قبل قوى الثورة السلمية, ونعلق عليه آمالاً كباراً في تحقيق مساحة من الحرية للصحافة والصحفيين.