مازالت محافظة أبين تعيش على وقع المأساة، ونزوح تحت سيطرة المسلحين حتى هذه اللحظة.. ولم تجد الألوية الخمسة المرابطة على مشارفها شيئاً وكأن مهمتهم فقط تنفيذ مناوشات مع المسلحين بعيداً عن هدف التحرير الكامل لعاصمتها زنجبار.
يقول النازحون إن قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية تساوم بوضعهم الإنساني المؤلم كورقة ضاغطة لتحقيق مكاسب سياسية على حساب تدمير المحافظة وتشريد سكانها وتحويل عاصمتها إلى مدينة أشباح حين جعلوها مسرحاً لعمليات عسكرية مشبوهة الأهداف.
سبعة أشهر مرت من عمر النزوح وهي فارق زمني مهول في حياة أبناء زنجبار وما حولها وهم يعيشون مهجرين، مبعدين عن ديارهم مع ما رافق ذلك من استهداف متعمد لمساكنهم بالقصف العشوائي المدمر، وفتح المجال أمام عصابات النهب والسلب لمساكن المواطنين بالتوازي مع نهب المرافق والمؤسسات وتدمير البنية التحتية بالكامل مما أعاد وضع المدينة إلى ما يشبه العصر الحجري.
إنها حقاً مأساة بكل ما تعنيه الكلمة حين تعجز خمسة ألوية عن تحرير "مدينة" من عشرات المسلحين لا أكثر خلال كل هذا الوقت.. مأساة حقيقية حين تفتح المدينة أمام عصابات النهب والسلب الآتية من فجاج الأرض وشذاذ الآفاق.. ولا يفتح الطريق الرابط بين عدن وأبين كل هذا الوقت!! مأساة حقيقة حين تموت بعض النساء الحوامل المتعسرات في طريق نقلهن عبر طرق "الحرور" الوعر الذي يقطع فيه المسافرون نصف يوم للوصول إلى عدن بعد أن كانوا يصلون إلى عدن عبر طريق العلم في نصف ساعة.
مأساة حقيقة أن يصبح أبناء أبين مجرد ورقة رابحة بأيدي المستبدين القتلة وتصبح محافظتهم مجرد رقعة شطرنج وهم أحجار على رقعة الشطرنج!! مأساة حقيقية حين تقتات ما تسمى باللجنة التنفيذية للنازحين على حساب معانا ة النازحين وتنهب مخصصاتهم علناً ولا يجدون من ينصفهم!!.
مأساة مؤلمة متدثرة برداء حزن عميق حين نرى ـ نحن النازحون ـ أن المحافظات الملتهبة تنال الاهتمام المباشر للحكومة الجديدة وتطفأ فيها النيران ويبدأ المواطنون العودة إلى الحياة الطبيعية تدريجياً "وهذا يسعدنا جداً" لكن المأساة أن لا تنال أبين نفس الاهتمام ولا أحد يلتفت إليها حتى الآن!!.
لقد رفُعِتْ المعاناة عن محافظة تعز الباسلة، وعن صنعاء الصامدة وعن أرحب الشموخ والإباء وحتى عن صعدة الجريحة.. لكنها لم ترفع عن أبين التي كانت بوابة النصر فأصبحت اليوم موطن القهر.. إن أبين لا بواكي لها ولا عزاء لها في أبنائها الذي تسلموا مواقع القرار في السلطة الجديدة ولم يلتفتوا إلى محافظتهم التي دمرت ولا أهلهم وناسهم المشردين في أصقاع الأرض.. حقاً إنها مأساة.. والله المستعان وهم نعم المولى ونعم النصير..