لم يستطع التيار الحوثي أن يصمد طويلاَ في برواز التسامح والتعايش الذي نسج حوله بجهد منظم من قبل متعهدي خطابهم الإعلامي في المشهد الثوري طوال عشرة أشهر، وبتسارع لم يكن متوقعاَ كشفوا عن صورتهم الحقيقية كأحد أعراض المرض الذي أصاب اليمن في قمة رأسها وليس كأحد المعطيات المتوهمة كشريك لبناء المستقبل.
كانوا يقولون أن صعدة أصبحت واحة للقبول بالآخر والتسامح الديني وتبين أن رفضهم للمخالفين يعود بسرعة البرق إلى لغة التصفية والتطهير، قدمهم الحانقون من الإصلاح والتيار الإسلامي كنموذج لإدارة المناطق باحترام الخصوصيات وعدم التعدي على الحقوق والحريات " وإذا بالحال يتكشف عن تنكيل وصل ذروته بقول محمد عبدالسلام إنهم لا يتوسعون ولا يطهرون مناطق سيطرتهم من المخالفين في المذهب والرأي، وإنما يدافعون عن أمة لها ثقافتها؟؟..
الأمة في نظر التيار المذهبي الطائفي هي المذهب وليس الأمة اليمنية، خلف هذه البجاحة يتوارى وهم يتطلع إلى فرز اليمنيين على أساس المذهب، وتحويل التعدد المذهبي إلى انقسام يكتمل بالتطابق مع مناطق صافية لهذا المذهب وأخرى (نقية) لذاك!!.
خلف هذا النشاط المحموم يقبع رعب التيار العنصري من الثورة الشعبية السلمية التي أعادت إحياء المشروع الوطني، وحدت من قدرة الحركة المذهبية على النمو والاستقطاب والتي وصلت إلى أعلى معدلاتها في ظل مناخ النظام المتداعي.
كان المناخ العام مشبعاً باليأس والقنوط قبل ربيع اليمن وثورتها السلمية، وكان الحوثيون يقتاتون من هذا المناخ المحبط؛ والبنية المولدة له متمثلة في نظام فاقد للشرعية ومقطوع الصلة بإرادة الأمة وخياراتها ولا يعكس بقاءه سوى سيئين حقيقيين: القوه الغاشمة ؛ والتحالف مع الطرف الدولي المهمين
ومع بداية الثورة كان واضحاَ أن الروح الجديدة التي سرت في أوساط اليمنيين أيقظت المشروع الوطني من سباته العميق، ومثل غيرهم من مناطق اليمن وساحاتها وقبائلها رأينا قبائل اليمن المحيطة بالعاصمة وعلى امتداد مناطقها تنتظم في مشروع اليمن وثورتها السلمية وتشكل جداراً نارياً حول العاصمة أفشل محاولات النظام للزج بالمعسكرات والألوية ضد الثورة ؛ ونزع ورقة المناطقية والطائفية من جعبة مزدوجة وجهها النفعي الأول في دار الرئاسة، ووجهها القبيح الثاني خارج من زوايا التاريخ المظلمة وقبور الأئمة يطل برأسه من كهوف صعدة على شكل حركة مذهبية تتوخى إضافة فصل جديد إلى تاريخ غابر.
لم يعد اليمن يمنين، يمناً زيدياَ فوق سماره ويمناَ شافعياً تحتها، ولم تعد قبائل اليمن الجديد تقبل بلعب دور العضلات لأئمة المذهب ومستثمريه سياسياَ لحكم اليمن.
إذاً: كان التيار المذهبي قاب قوسين أو أدنى من استكمال سيطرته على مناطق القبائل قبل يقظة اليمن وانتفاضتها الثورية، أو على الأقل هذا ما كان تحصيل حاصل لخلو الساحة من الأمل بالتغيير؛ واستسلام الناس لحالة يأس كادت أن تجعل من تقسيم اليمن وانبعاث مرضها القديم نتيجة متوقعة لمعطيات صادمة.
هنا بالضبط يمكن لنا الإمساك بجذر الرعب والارتباك الذي تلبس التيار المذهبي وظهر على شكل ارتباك وتشكيك دؤوب ومتواصل في صنعاء وتلاه محاولات توسع وتطهير في الجوف وحجة وصعدة.. هنا كان الحوثي وتياره يدركون جيداَ المسار الذي فتحت أبوابه الثورة.
وكان لابد أن ينهمكوا في لهاث مجنون للسيطرة ووضع اليد على أكبر مساحة ممكنة في الجوف وحجة وميدي، وبالتوازي مع هذا التوسع وضع مشروع التطهير موضع التنفيذ ؛ بهدف الوصول إلى مناطق متطابقة مع المذهب وخالية من التبشيريين القادمين من خارج الإطار العنصري للحوثي بحسب ما يردد.
هكذا قالوا إنهم يدافعون عن أنفسهم إزاء حرب فرضت عليهم وتبشير ديني يستهدف حرف الشباب الحوثي عن دينهم!!!.
الآن لم يعد حديث الدفاع عن النفس مسعفاَ لأنصار الحوثي ؛ فقد باتوا حكاماَ لمناطقهم ولم يعد الدفاع عن النفس مستساغاَ وصداه يتردد في حروبهم القذرة في الجوف وعلى أطراف ثمود وميدى ووسط حجه.. هم يتطلعون إلى الإمساك بورقة تفاوضية لمرحلة ما بعد الثورة.
ويعود هذا الخوف إلى إدراكهم أن واقع ما بعد سقوط النظام لن يكون في وارد التعامل مع حركة مذهبية هي أحد إفرازات المرض كشريك لصنع المستقبل.. ما هو مطلوب وضروري هو معالجة نتائج حرب صعدة وأثارها، وأحد هذه الآثار السيئة لن تكون سوى حركه مذهبية عنصرية أفرزتها سياسات النظام وتلاعباته وحروبه.
الحوثيون نتاج للنظام الفاشل، هم وجدوا برعايته وكأحد أوراقه،وصعدوا وبعث غديرهم وتوسعت حركتهم كاستثمار لحروب النظام وسياساته وأخطائه، ملأوا الفراغ بقوة الدفع الذاتي لا كنتيجة لمشروعيتهم، ولا لخطاب أنتجوه يحاكي الواقع ويستجيب لتحدياته ومطالبه، بل كنتاج لفشل النظام واستواء الناس على أرضية اليأس، فعلى هذه الأرضية يستوي الشيء ونقيضه.
الأشهر الماضية كشفت ما يراه البعض تنسيقاَ بين الحوثي وبقايا النظام وصل إلى حد التسليح ومراهنة النظام الغريق على قشة الحوثي لعلها تكون أحد أسباب النجاة، أما إذا ما ذهبنا أبعد من ذلك لتفحص هذا التنسيق بين طرفين يجمع بينهما ود قديم فيمكن أن نستخلص إجابة لما سمي بلغز حروب صعدة الست وتطاولها وتشعبها لتصبح أحد مهددات تماسك الكيان اليمني وتفتيت نسيجه الاجتماعي وممكنات بقاءه،ذلك أن مابدى كتنسيق ظرفي هو في الأصل امتداد لأجندة سرية خفية بين الطرفين بدأت منتصف تسعينيات القرن الماضي ووصلت ذروتها مع نهايته قبل أن تعود كلعبة مشتركة بورقة حرب صعدة لإعادة بناء التحالفات والتوازنات.
بدأ الحوثي الثورة بالتفرغ لأجندته الخاصة، وذهب يوزع صور حسين الحوثي في تعز، ووعود الفيدرالية في عدن، وإدعاءات الليبرالية والحداثة في ساحة صنعاء، وانتهى به المطاف للحديث عن أمة زيدية لها هويتها!..
مصطفى راجح
النظام الغريق وقشة الحوثي !! 2361