التاريخ غالباً يكتبه المنتصرون.. ولذلك نجد الكثير من الوقائع الأحداث الحقيقة لا تجد طريقها إلى النشر وأن كانت الواقع بعينه.. لكن التاريخ لا يرحم كما يقال، لأن الكثير من الحقائق التاريخية تتكشف ولو بعد حين.
وفي مسار تاريخ ثورة 14 أكتوبر حدثت مواقف كثيرة تم اختفاؤها أو تجييرها وضمها لانجازات الفصيل المنقلب على الفصائل الأخرى، "الجبهة القومية".
وحين تظهر حقائق هذه الأحداث والمواقف تؤكد أن لا حيادية في كتابة التاريخ!! اليوم نحتفل بذكرى الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1976م.
وقد احتفلنا بالذكرى الثامنة والأربعين لثورة 14 أكتوبر لأنها كانت سبباً في تحرير الجنوب ـ على الأقل في رواية المنتصر، ولكن عند استقرار الحوادث والأحداث التاريخية من مصادرها "الصرفة" تبين الكثير من المواقف المجافية للرواية التاريخية وتدل على محاولات طمس الحقائق التاريخية.. ولا بد للجيل الجديد من الاطلاع على حقيقة هذه المواقف التاريخية كما حدثت لا كما يرويها المنتصرون.. وهنا نورد موقفين منها:
الموقف الأول: تحرير مدينة كريتر بمحافظة عدن لمدة أسبوع من قبل ثوار الجبهة القومية ـ تاريخاً ـ رداً على هزيمة 5 حزيران 1967م.
وكم هللنا بهذا الانجاز الرائع ـ في الظاهر ـ الذي كان رداً سريعاً على الهزيمة.. ولكن الحقائق لا تحابي أحداً..
نعم حررت المدينة وتم اغتيال الشهيد/ مدرم أمام فندق الجزيرة في قلب المدينة بأيادي "صديقة" وليس بأيادي الانجليز.. وحين انتهى الدور جاء الجيش البريطاني من الاتجاه الشرقي للمدينة ودخلها بصورة توحي بشيء آخر يحمل الكثير من الدلالات والتساؤلات.
فقد جاء البريطانيون في موكب احتفالي كرنفالي تتقدم مهم الفرقة النحاسية وهي تعزف موسيقية النصر وسار الجيش حتى وصل قلب المدينة، فوجدوها خالية من الثوار بعد أن هربوا ورموا أسلحتهم في الخرابات كما تقول الروايات ولم تطلق طلقة واحدة من الطرفين.. وهل هذا يسمى تحرير أم انتهاء الدول الذي رسمته المخابرات البريطانية لأولئك المغامرين "الإغبياء" سياسياً؟! لكي يرى العالم أن بريطانيا خرجت من الجنوب بالمقاومة لا باتفاقيات السلام، والنتيجة حرمان الجنوبيين من حقهم في التعويضات.. وقد كان الموقف الثاني "الشيخ غالب بن راجح لبوزة أول شهداء الجبهة القومية ومفتاح انطلاقة الثورة من جبال ردفان" لكن التاريخ يقول غير ذلك، فالروايات التاريخية تقول أن الشيخ/ غالب لم يكن يوماً عضواً في الجبهة القومية ولم ينخرط في الكفاح المسلح تحت رايتها واستشهاده جاء على خلفية قضايا لا تمت إلى الكفاح المسلح بصلة ولكنه اختلف مع الانجليز، فقاومهم مع أتباعه وسقط شهيداً وبطلاً، رفض الخضوع لمطالب المحتل وقاتل قتال الرجال واستشهد واقفاً في وجه الجبروت الانجليزي ولا نقاش في موقفه البطولي الرائع، لكن الخلاف على انتهازية الجبهة القومية واعتباره أحد أعضاها لتعلن بمقتله بدء الكفاح المسلح الذي احتكرته لها دون غيرها.
هذان موقفان يدلان بوضوح على ضرورة إعادة كتابة التاريخ بحيادية منصفة تظهر الحقائق، كما هي مهما كانت صعبة حتى لا يظل الجيل الجديد يتغنى بأمجاد وهمية لتاريخ مزور.
المصدر: كتاب الاستقلال الضائع للأدهل
ـ بحث لنجيب قحطان الشعبي نشر في الانترنت 15/10/2011م.
منصور بلعيدي
التاريخ.. حين يكتبه المنتصرون 2201