كم قيدت معصمي تلك الساعة وأنا بريئةٌ من سجن عقاربها خلف قضبان الوقت!، أضعتُ كثيراً من اللحظات وأنا أحول انتزاع قناعتي بالحياة أسيرةً بين كفيها، ساعتي تلك التي كانت قطعةً جامدةً من البلاتين المطعم بالزجاج الأزرق وثبت من غفوتها لتلازم رسغاً يغذيها بالحركة وينفق على بقاءها حية من دمي، ما كنت لأعرف قيمتها إلا حين عرفتك أنت، أو حين عرفت أن لي قلباً كباقي نساء الكون يمكن أن يسكنه رجل، لكن ليس رجلاً عادياً أبداً، رجل أنيق بأناقة الشفق حين ينثر وسائد السحاب الارجوانية حول قرص الشمس وكأن السماء مائدة عشق في لحظة جوع! رفيقٌ بأوردتي كما ترفق الريح بحب اللقاح، يعشقُ مخالب هواي ويحتويني حين أحترق غيرةً وشوقاً ووفاءً، رجل لا يُثير غبار ذاكرتي ولا يحبس أفكاري ولا يساويني بنساء الكون بعد أن أسكنتهُ فسيح جنّاتي!.
كانت ساعتي تلك تشيُر إلى اللاوقت حين غازلت قلبي لأول مرةٍ وأنت تسرد تفاصيلي دون أن تراني إلا عبر كتاب حاكته يداي وارتدته مشاعري ولم يكن فضفاضاً بما يكفي لخفي تضاريسي.. كنت تائهة قبل أن تكون أنت محطتي، لكني كنت محظوظة حين لم أفتح جل أبوابي! ساعتي تلك علمتني كيف أصبحت وإياك مجرد عقربين يلهث كل منا خلق الآخر دون أن يصل، اختلفنا حين كنت أنت بطيئاً كعقرب الساعات وأنا أستثمر العمر لأجلك ثم لا ألقاك، كثيراً درت حولك.. راودت صمتك.. استثرتُ برودك.. راوغتُ أنفك برائحة الغُربة.. لكنك بقيت كسلحفاة عجوز تبحث عن فرصةٍ سانحة لتسبق الأرنب الخجول!.
عبر صفائح ساعتي كنتُ أراك تشوش صفاء اللحظة بشوق عينيك للانقضاض، فأدُسَّ بين أوراقي واتشرنقُ بالامبالاة وأمضي جائعة من وجبة الاعتراف الدسمة التي لم يستطع أن يطهوها قلبك أو تتذوق ملحها شفتاك! ساعتي كانت رفيقة دربي إليك، كنتُ وإياها صديقتين حميمتين ندمن انتظارك على قاعدةٍ مطليةٍ بماء الذهب، لكنك لم تكن تأتي إلا كطيف يؤرقُ مضجعينا ويعلمنا السهر، أنا التي كنتُ أتناول عشائي باكراً كالأطفال وأنامُ احتضنُ دمية الليل خالية البال مترفة بالسكينة تغشى مخدعي أصبحت أعد نجوم الليل في انتظار النهار وأدور حول الأرض كل يوم أبحث عنك بين ساعات عمري ولا ألقاك، كم أصبحت تجيد لعبة الاختباء بعد أن علمتني لعبة البوح! كم كنت تستأثر بقص أجنحتي وتمزيق أشرعتي حين تجعلني امرأةً من نساء الرصيف تبتاعُ الموت وتشتريها الحياة، كنتُ ساذجةً حين لم أكسر كأسٍ ماضيك وانتحرُ بشظايا حاضرك، كنتُ اعبثُ بشراييني وأنا أنتحبُ صمتاً وخوفاً حتى كدتُ أمزق وجه ساعتي حين لم تحن لحظةُ وصلك، ساعتي توقفت عقاربها عن الدوران حولك، وأنا آثرتُ أن أزين معصمي كما تفعل النساء بسلاسل الكبرياء حتى لا أتلاشى عبر اللحظة مثلك.
ساعتي تلك كانت همزة الوصل بينك حين كانت أوردتنا واحدة وقصةُ هوانا واحدة ولحظاتُ بوحنا واحدة..
في العراء بات قلبي
آسناً بيد الفناء..
عارياً من كل ثوبٍ
يرتدي برد الشتاء..
كلما استسقى وليفاً
زخّهُ ماء السماء!!
ألطاف الأهدل
قصة ساعتي! 2357