هل يبادر اليمنيون إلى إخراج المبادرة الخليجية من نفق الأزمة؟ السؤال يحتمل أكثر من تفسير كأن يصير دعوة موجهة للخروج من المبادرة ذاتها، كما أن السؤال يصير مثار استغراب، إذ كيف يصير المطلوب مبادرة من اليمنيين لإنقاذ مبادرة قيل إنها أطلقت من خارج حدود بلادهم في شأن أزمتهم المتفجرة والمتداعية؟
غير أنه لا التفسير عن الرغبة ولا الاستغراب ينفيان الحقيقة الساطعة، وهي أن المبادرة الخليجية في شأن الأزمة اليمنية باتت في أزمة، وأبرز مظاهر هذه الأزمة أن المبادرة تحولت إلى مظلة فضفاضة للتداولات السياسية والإعلامية والإعلانية، وتحت هذه المظلة غابت التوجهات ولم تبدأ التحركات، وهنا مربط الفرس في أية مبادرة تواجه أزمة ليصير ما يجري عملياً أقرب إلى طبخة .
أزمة المبادرة الخليجية لم تنجم عن تصادم توجهاتها بالأوضاع اليمنية، لكنها بدأت بعملية إجهاض، ومن بعض أصحابها الذين غيروا مواقفهم من تحرك لمساعدة اليمنيين والانتصار لحقهم في الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية، وهو ما كانت عليه المبادرة في نسخة إطلاقها الأولى، في تجاوب مع مطالب الحركة الشعبية الجماهيرية المنتفضة والثائرة بإرادة التغيير الشاملة .
العملية الإجهاضية جرت من خلال إدخال المبادرة بعد إطلاقها، في مسلسل التعديلات التي جاءت على ما هو جوهري للتوجهات السابقة، وعلى إثر هذه التداعيات يمكن القول إنه، باستثناء مايفترض ألا يستثنى، وهي الجماهير اليمنية المنتفضة والثائرة في وجه الظلم والظلام والقمع والفساد والاستبداد، صار يقيم الجميع تحت مظلة المبادرة التي اتسعت مع اختطافها إلى مجلس الأمن . فمن الداخل، هناك السلطة والمعارضة، ومن الجوار الدول المتبنية للمبادرة، ومن دول عالمنا الكبير المهتمة بالشأن اليمني لدوافع مختلفة، والمنظمات الدولية المعنية وبخاصة الأمم المتحدة .
واللافت أن هذا “الجمع” وتحت مظلة المبادرة الخليجية صار يعتقد أن هذه المظلة تمنحه الفرصة لتسويق مصالح خاصة، وربما صار الأمر أن الجميع من الناشطين تحت مسمى “التسوية السياسية” صار حاضراً، والغائب الوحيد هي المبادرة المفترض أن تقوم على توجهات محددة وواضحة وآلية في حركة عمل تبدأ بحسم التداعيات المتسارعة .
لمجرد الإشاره وليس القراءة، في الداخل تلقت السلطة إثر إطلاق المبادرة قبل الدخول بتعديلها، صدمة قاسية، لكنها بدأت تستعيد توازنها مع مسارعة أطراف إقليمية ودولية، وبخاصة الولايات المتحدة، إلى تبني تعديلات على المبادرة تداعت في تتابعها لتقوم على تبني مطالب السلطة، ومن ثم بدأت عملية تقديم عروض “الإرضاء” و”الاسترضاء”، ومن ذلك ما بات يعرف بـ“الضمانات” التي تشمل الرئيس صالح وأركان نظامه .
مع كل ذلك تؤخذ في الحسابات مسألتان، الأولى أنها في الفترة الانتقالية تفقد نصف الاستئثار القائم على الوضع في البلاد، والثانية أن مرحلة ما بعد الفترة الانتقالية لم تعد مضمونة، خصوصاً لجهة استمرار ما كان متبعاً من اللعبة الانتخابية، إضافة إلى وضع رموز منها في مفاصل السلطة يفتقدون النزاهة والأهلية والكفاءة، لكنها في الوقت نفسه لا تذهب إلى المخاوف في ظل ما هي عليه القوات الأمنية والعسكرية التي أنشأها الرئيس صالح ويتولى قيادتها الأبناء والأقارب والأنصار لا بإمكانات كبيرة وأسلحة متطورة فقط، بل لأن هذه القوات صارت أقرب إلى العقد الذي تتوقف عليه العلاقة اليمنية الأمريكية التي ساعدت على إيجاد هذه القوات ودعمها وحمايتها .
في مقابل هذا تلقت المعارضة السياسية ممثلة بتكتل أحزاب اللقاء المشترك وشركائه المبادرة الخليجية عند إطلاقها بترحيب، ورأت من خلالها فرصة لخروج اليمن من أزمته المتفجرة باتجاه التغيير الذي يتجاوب مع حقوق الجماهير الشعبية وتطلعات الشباب الناهض إلى المستقبل .
لكنها في أثناء تداعيات التعديلات على المبادرة، واجهت مصاعب التوفيق بين العد التنازلي الذي جرى بتسارع لتوجهات المبادرة، وبين ارتفاع سقف مطالب الجماهير الثائرة، وقد تمكنت حتى الآن من الإمساك بحلقة الخروج السلمي من الوضع القائم الذي اختزل مصير البلاد والعباد باستئثار قاتل من جهة، ومن جهة ثانية “لكي نجنب بلادنا العنف والتدهور”، كما أكد الدكتور ياسين سعيد نعمان الرئيس الدوري للقاء المشترك الذي قال: “لقد تعبنا من المناورة المستمرة من قبل النظام”، وأعلن لأول مرة منذ بداية الأزمة أنه: “إذا استمر النظام في هذه المناورة فقد يدفع ذلك المجلس الوطني إلى أن يغادر العملية السياسية كلية ويترك النظام في مواجهة مباشرة مع الشعب” .
التقصير الذي وقعت فيه المعارضة السياسية تجاه المبادرة الخليجية في نسختها الأولى وقبل أن تدخل في دوامة المسخ المتواصل، أنها لم تتعامل مع ما جرى سياسياً، إذ كان أمامها ما هو متاح، أي تحويل المبادرة بنسختها الأولى إلى واحد من مطالب الشارع الثائر .
هذا التوجه كان سيؤثر في ما جرى خليجياً من تحول انحصر على دافع شعورهم بمخاطر انهيار اليمن على هذه المنطقة مقترناً بالحضور النافذ للحذر الشديد من حدوث تغيرات في اليمن، كما أن ذلك سيغير من التعامل الدولي وبخاصة الأمريكي الذي بعد أن توافرت أمامه طمأنة استعادة إدارة الأزمة، تمكن من اختطاف المبادرة من أصحابها وأطرافها ليضعها في مجلس الأمن في سياق المصالح الأمريكية، ويمكن رؤية الأمور هكذا من مجرد ما كان عليه مشروع القرار البريطاني وما شهده من تعديلات هي في الواقع تغييرات جوهرية عليها، ومر القرار على المبادرة ولم يتخذ في شأنها قرار واضح وحاسم لتصير مفتوحة على المجهول لا على المعلوم، ومجرد أن يبدأ القرار ويتضمن ويختتم بتناول الإرهاب، فهذا هو موضوع أمريكا من اليمن وفي اليمن القائم والقادم .
نقلاً عن الخليج الإماراتية