الحزبية لعنة الديمقراطية ومحنة الأنظمة السياسية الحديثة التي فرّقت ومزّقت ثم تربعت على عرض عصي من المصالح المحددة والضيقة والوضيعة والداعية إلى تصعيد سياسة البحث عن السلطة ولوفي جحور الثعابين، الحزبية بطاقة عبور رخصية إلى عالم الرذيلة المشروعة والتي تحميها المؤسسات الحكومية وحتى المدنية في بعض الأحيان!.
الحزبية هي كتاب السياسة الأسود الذي تفوح من أوراقه رائحة المؤامرة والخيانة والقتل والتشريد، سطوره تنوء بقصص التصفيات المريعة والاغتيالات المرعبة، ومفرداته مثقلةٌ بسيرة الخوف والترصد والحذر، من مصطلحاته الرائجة: الهجرة، الإبعاد، الجاسوسية.. كتاب أخرق يفتقد للتوازن حكومياً وبرلمانياً وتنظيمياً واجتماعياً، فإذا كنت حزبياً إقرأ على نفسك السلام! أنت عبدٌ محكوم وخادمٌ مذموم وتابع لا رأي لك ولا مشورة، الحزبية بقومياتها وبعثياتها ورابطاتها وكل هياكلها الداخلية ولوائحها التنظيمية محض فكرة سفيهة عابرة لوثت التاريخ ولطخت ذاكرته بالعنف والهزيمة وخسارة المبادئ والقيم، أوطاننا رزحت طويلاً تحت راية الاقتتال ومحاولة الوصول إلى منصب القوة والإرغام وصولاً إلى حد التطرف فتنة وافتتانا! واليوم حان الوقت لإثبات خطأ هذا المبدأ السياسي الذي جعل لكل حزب حقيبة مشبعة بأوراق القبلية والمحسوبية والفساد الإداري والأخلاقي والديني، حقيبة تخفي ملفات السيطرة والتحكم وإلغاء الغير والسير الحثيث نحو التفرد، الحزبية مصيبة الذين لا يستطيعون تلاوة النقاء وترتيل الطهارة.
إنها خدعة التاريخ التي لعبتها أحداثه على غفلة من جنون العظمة الذي عاشه أباطرة كهول ختموا فصول حياتهم تحت ظلال فكرة استعمارية جديدة شكلاً، لكنها عتيقة مضموناً، لا تقوم الدول بلا قيم ومسألة السقوط التي نعيشها اليوم تحقيق فعلي لتلك القاعدة، فعندما وضعت الأقليات الغربية فكرة الحرية الشعبية، وسياق الحكم الجمهوري، وفرص التعددية الحزبية، والتشريع الدستوري المقيد بآلية الحكم والتحكم كان على الأغلبية العربية أن تسمع وتطيع لأنها قد دخلت ميثاق التبعية وتمردت إلى خارج أسوار البيعة وأصبحت هائمة بين نظام وعقيدة، شرق عريق وغرب حديث، حضارة معنوية وحضارة مادية.. ولأن يشغلوا المنابر بخطبهم وزفرات أحرفهم الرنانة ليقودوا قطعاناً من الخاوين القادمين من رحم الفراغ، فأصبحوا أشد كفراً ونفاقاً!.
الحزبية مرض شائع يصيب الذين يشكون من ضعف المناعة الإنسانية أو الذين يصرون على العبور من ممر الحضارة الخلفي الذي يفرز فضلاته في أفواههم ليصيبهم بتخمة الصمت والانغلاق على الشعب واستنزاف ثروات الأوطان في تنسيق المستقبل الذي ضاعت معالمه على إثر خطوات التحرر التي سقتنا العبودية المعتقة في كؤوس أنظمة ديموكتاتورية زهيدة الثمن، الحزبية فيد الديمقراطية الذي غّل أفكارنا وجنى على قلوبنا وحال بيننا وبين التطور والمعاصرة واللحاق بركب الحضارة من ثم الدخول من بوابتا الرئيسية وانتقاء ما يستحق العناء فقط دون اللهاث خلف بريقها الكاذب.
لماذا تغلب علينا عصبية الفهم كما قد غلبت علينا قبل اليوم عصبية الاستيعاب؟!، لماذا نصل حد السطحية في إنسانيتنا ونتعمق لدرجة البلاهة في ماهية مُعتقدٍ ما؟! لماذا نشاطر الآخرين لقمة الجوع ونرفض أن نشاطرهم لقمة الشبع؟! وهل صحيح أن السياسة دناسة؟ والأحزاب إرهاب؟ والشرعية مجرد فكرة وضعيه؟!.
ألطاف الأهدل
إذا كنتُ حزبياً فتلك مصيبة! 2325