"الحج عرفة" هذا حديث نبوي شريف يختزل مناسك الحج كلها في موقف واحد، رغم كثرة المناسك وتنوعها.. لكن ذلك لا يعني أن الوقوف بعرفة يغني عن بقية المناسك الأخرى.. وإنما جاء التأكيد النبوي على أهمية الوقوف بعرفة لأنه مجمع المناسك كلها، حين يقف الحجيج بين يد الله على جبل عرفة وهم في غاية الخضوع والتذلل لله رب العالمين وقد تحللوا من كل مظاهر الدنيا الفانية إلا من قطعتي قماش بيضاء تحاكي الاكفان عند الموت في صورة مصغرة ليوم الحشر الأكبر، حين يجمع الله الخلائق كلها في صعيد واحد ليجزيهم على أعمال في الدنيا إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
هذا الموقف العظيم يمثل قمة المناسك.. يستشعر الحاج فيه أهوال يوم المحشر.. فإن كان مسيئاً يود لو أن بينه وبين أعماله السيئة بعد المشرقين والمغربين ((يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه)) المعارج.
في هذا اليوم ينبغي للسلم "غير الحاج" أن يقف مع نفسه في هذا اليوم العظيم ليتذكر قول سيد الخلق في حجة الوداع وما قال فيها " إن أموالكم وأعراضكم ودماءكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا" هذه الكلمات الرائعة تضع ميزاناً رائعاً ودقيقاً لسلوك المسلم الملتزم بدينه قولاً وعملاً، فأخذ الأموال بالباطل محرم شرعاً وقتل النفس ا لتي حرم الله إلا بالحق محرم شرعاً وانتهاك الأعراض محرم شرعاً وأهلاك الحرث والنسل محرم شرعاً والظلم والربا وأكل أموال الناس بالباطل كلها من المحرمات التي شدد عليها الإسلام، لا يجوز أن تنتهك لأن إنتهاكها يفضي إلى تفشي المظالم والمفاسد في المجتمع وربما نقضت عرى الإسلام أصلاً..
ويأسف المرء مما نراه اليوم من تجاوزات خطيرة طالت هذه المحرمات كلها وتفت في عضد الالتزام العقائدي لأناس انتهكوا حرمات الله تعالى وتماديهم في قتل المسلمين بالجملة وأراقوا دماءهم ونهبوا الأموال بغير حق لشراء الذمم وتدمير البنية الاقتصادية للبلد كلها..
كل ذلك وغيره يتم على أيدي رجالات هذا النظام وزعيمه، وكأنهم لم يسمعوا ما قيل في حجة الوداع، ونسوا أنهم سيقفون ين يدي العزيز الجبار، صاغرين فيحاسبهم على كل ما اقترفته أياديهم من آثام ((ولا تحسبن أن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء)) إبراهيم.
فمتى يرعوي الحكام عن فعل المنكرات من أجل هذه الدنيا الفانية؟!، ومهما تجبروا على شعوبهم فإن فوقهم العزيز الجبار "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقبلون" الشعراء.
ومع كل ما فعلوه بنا فإننا ندعو لهم بالهداية واحترام خيارات شعوبهم قبل أن يقع الفأس في الرأس" وحينها لات حين مندم..
منصور بلعيدي
من وحي الوقوف بعرفة 1782