كلمتان ملازمتان لأزلام النظام في كل منعطف خطير تمر به البلد وهما مبتدأ الفساد وخبرة.. إنهما كلمتا "الحوار والصندوق"، وحين أسمعهما من أفواه رجالات السلطة أصاب بالغثيان والمواجع والهواجس المصحوبة بآلام المغص المعوي الحاد، لأنهما أصبحتا مصدر خوفي وقلقي لما يترتب عليهما من مآس وآلام لا حصر لها، وحين أسمعهما تنزاح الأرض من تحت قدماي وأفقد توازني وأصاب بالدوار.
كل هذا الخوف وذلك التوجس، بل هذا الرعب المزعج من كلمتي "حوار وصندوق" تفرضها الظروف الموضوعية والذاتية المحيطة بنا كشعب يتشاءم بهما طوال حكم علي عبدالله صالح، الذي عاش عليهما كعكازين يحملانه طوال ثلاثة عقود من الاستبداد والظلم أو تزيد.
لقد تذوقنا مرارة نتائج هاتين الكلمتين طوال عشرين عاماً منذ تحقيق الوحدة اليمنية المباركة واستوعبنا تماماً ماذا تعنيان لنا وللحاكم.. فللحاكم هما سبب بقائه أطول فترة في سدة الحكم، ولنا كشعب لا يعدو كون كل منهما مبتدأ وخبرهما "مصائب لا تحصى"، فالحوار مر بمراحل خطرة جداً ومنها مثلاً: الحوار بين علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض في عمان عام 94م وبعد التوقيع من الطرفين على نتيجة الحوار في وثيقة العهد والاتفاق تفجرت الحرب الطاحنة بينهما قبل أن يجب حبر توقيعهما على نتائج الحوار، فأصبح مفهوماً لدينا أن حوار السلطة مجرد مقدمة للعنف ليس إلا.
ثم انتقال الحوار إلى المؤتمر والإصلاح وتكلل بإقصاء الإصلاح عن الحكم عام 97م، وتشكل اللقاء المشترك من ضحايا علي عبدالله صالح، الذين أكلوا واحداً تلو الآخر، فبدأ علي عبدالله صالح معهم حواراً ماراثونياً أفضى إلى اتفاق فبراير الذي فتح الباب واسعاً لاتساع الشق بين الطرفين، فوصل حد القطيعة وبدء مراحل الصراع.. وهكذا لا يأتي حوار من قبل السلطة إلا ويفضي إلى صراع وهذا ما جعلنا ننفر من كلمة حوار، لأنها لا تأتي إلا وتتبعها مصائب وأزمات.
أما كلمة "الصندوق" فذكرها يثير لدينا ضحكاً ساخراً يشبه البكاء، ولك أن تتخيـــل حالة العلاقة والشعور تجاه صندوق ينتج رجلاً واحداً طوال كل هذه العقود من الزمن، وإن فسد وظلم وتجبر؟!.
هذا الصندوق سماه الشعب المقهور بـ"صندوق الجندي" نسبة إلى عبده الجندي الذي أعلن فوز رئيسه بانتخابات 2006م قبل اكتمال الفرز، لأن النتيجة جاهزة سلفاً، ولكن نظام علي صالح يحتقر هذا الشعب ويدخله في معمعة طويلة من القيد والتسجيل والترشيحات والحملات الانتخابية المكلفة والمرهقة لميزانية الدولة لمجرد التسلية والضحك على الذوق.. والنتيجة محسومة سلفاً، فلماذا كل هذا اللف والدوران؟!.
وحين ضاق الشعب ذرعاً بهذا الرئيس الذي لا يحترم خيارات شعبه قامت ثورة الشباب السلمية، والآن هل عرفتم لماذا أكره كلمتي "حوار وصندوق"؟!.