الرؤية السياسية لما يحدث في اليمن، مرتبط بتنامي الدور الإقليمي- الدولي، وتراجع الدور المحلي، ومعرفة إن كان الملف اليمني ينتظر القرار الداخلي، أم أنه يعوّل على الخارج!.
ولعل هناك اطمئنان لأي قرار خارجي، بعد فقدان الثقة بكل الأطراف الداخلية، وهذا ساهم بشكل كبير بإضعاف القرار اليمني الموحد، رغم ذلك لم يختفي الصوت الثوري القوي، الذي يمكن اعتباره محركاً و ضاغطاً على القرار الدولي والذي يقوده الشباب, فالساحة اليمنية السياسية، والثورية ـ على حد سواءـ أصبحت تنتظر وصول مندوبي الأمم المتحدة من حين لآخر، كما إن وفود المعارضة والسلطة، لا تتوقف عن التحرك في المدار الخاص بقرار الدول الكبرى. والثوار حتى فترة قريبة كانوا خارج هذا السياق، مستقلين ويعطون للثورة قوة وزخماً محلياً، وكان رهانهم دوماً على الأرض <لكن مؤخراً برز الاهتمام الإقليمي بهم، ووجه أنظارهم خارج المنطقة السياسية اليمنية، فدشنت مرحلة دعوتهم لذات البساط الأحمر الذي مشى عليه الساسة، فجاءت مشاركتهم في عدد من المحافل الإقليمية والدولية ليسمع صوت الشباب، وزادت الإغراءات لهذه الفئة لتقوية علاقتها بالمجتمع الدولي.
وكان فوز توكل كرمان «بنوبل» وانطلاقها في جولة عالمية رفيعة المستوى، قد أعطى انطباعاً لدى الثوار أن ثورتهم أصبحت تحضى بدعم دولي، فما هي حقيقية هذا الدعم الدولي للملف اليمني، الذي لا يسميها باسم «الثورة» في كثير من هذه المحافل العالمية والدولية والإقليمي؟.!
إذاً يسجل الثوار نقطة حين يرون أن الدعم الدولي مازال يدعم النظام، وانه لا ينسحب بسهوله من تحت أقدام صالح، وإن الأيدي التي كانت تصافحه أصبحت الآن تلوح له, ولكنهم يخسرون نقطة حين يخمد الرفض الثوري لأي تدخل خارجي، وحين يتحول العمل الثوري الذي كان دائماً معارضاً للدعم الدولي لعلي صالح ورفضاً للغطاء الشرعي للسفك بهم، إلى المطالبة بالمزيد من الدعم الدولي للثورة من خلال قرارات مجلس الأمن، أو ملفات حقوق الإنسان في المحاكم الدولية.
حقيقة الدور القطري:
إذاً الخطر الحقيقي الذي يمكنه أن يحوّل ساحة التغيير الثوري لمجرد ساحة للتجمع السياسي، هو حالة الاطمئنان التي يمكنها أن تلف الساحة حين ترى الساحة رموزها الوطنية والثورية تعطي ذات الإطمئنانات للقرار الدولي – الأممي، والذي يترجم و ينفذ القرار الاقليمي الخليجي.
وحين نتحدث عن الدور و القرار الخليجي يهمنا هنا طرح ورقتين خليجيتين، القطرية التي تكتب بهدوء وحذر، والسعودية التي تبدو قديمة, يعيد اليمنيون قراءتها ولا يتعجبون منها.
فالورقة السعودية لا توحي بأي اطمئنان, لأنها تعيد ذات التاريخ السعودي في اليمن المناهض لأي تغيير سياسي، في حين تبدو الورقة القطرية مختلفة نظراً لحداثة الدور القطري في المنطقة عموماً، وفي اليمن خصوصاً< فقطر الدولة الأغنى، تقفز الآن في كل الأحداث في المنطقة لتعطي انطباعاً أن هناك إفقار للقرار المحلي، فقرار النظام السياسي اليمني كان يرتكز على قطر في حروبه ضد الحوثيين، ولإخماد التوتر, كان يستعين بالوساطة القطرية، لكنه في الأحداث الأخيرة لم يستطع إخماد الثورة باستعمال الوساطة الخليجية، التي انسحبت منها قطر, تاركة ورقة المبادرة بتوقيع سعودي, متخذة لنفسها خطاً منفرداً يعطي انطباعاً أولياً أنها مع الثورة, غير أنها في ذات الوقت الذي تنتقد فيه النظام لا تعارضه بحده ولا تحرض ضده كما تفعل في سوريا مثلاً.
مما يؤكد أن بقاء الوضع على ما هو عليه «فلا تنتصر الثورة ولا يهزم النظام» وهو وضع مريح دولياً وإقليمياً وخليجياً، وهذا يحقق هدف إضعاف كل القوى الداخلية في السلطة والمعارضة، فتضعف القوى المؤيدة للثورة والتي تتصدر للمواجهة المسلحة أمام النظام.
فوجود قوى متعددة متصدرة للثورة، أكسب الثورة زخماً إعلامياً، لكنه حقق خسارة لها على مستوى الدعم الدولي حين تصور الثورة أنها نزاع شخصي بين قوى سياسية «عسكرية وقبلية مختلفة»، كما أنه يجعل تضحيات الشباب غير محسوبة, فحين تبدو المواجهة بين طرفين ويحسب الشباب كفئة منحازة، أو حتى مستقلة فإن تضحياتهم لا تقوي الثورة ولا تثقل ميزانها لأنهم قوة خارج ميزان القوى، ويتم النظر لثورتهم كحماس عاطفي واندفاع ثوري، غير محسوب سياسياً ولا يلقي ثقله على القرار الدولي.
وفي ذات الوقت الذي يرحب فيه المجتمع الدولي برموز هذه الثورة الشبابية السلمية، فيبدو الوضع أن هناك دعماً للشباب على حساب النظام، أو على حساب شخصية "علي صالح" نفسها، مع أن الحقيقة قد تكون عكس ذلك.
فض تحالفات الثورة:
فهناك محاولة لإخراج الشباب من حساب العسكر والأحزاب والقبائل، وفض التحالف بينهم، فيتم التأكيد أن الشباب مرحب بهم دولياً، لكن الشيوخ والضباط المنضمين للثورة ليس مرحباً بهم دولياً، فيبدو بذلك أن قرار مجلس الأمن ليس ضد النظام لوحده لأنه يطالب جميع الأطراف بوقف العنف، فلا يستهدف صالح وحده بل أيضاً خصومه السياسيين في الرف المقابل ممن يقفون مع الثورة.
وهنا يتم فصل فصائل الثورة عن بعضها، فيتم إخراج فئة الشباب وهم فعلاً فئة مستقلة بذاتها، لكنها تحتاج لدعم قوى سياسية أخرى حالياً في مواجهة النظام لأنها لا تقوى على المواجهة وحيدة، وبرغم أن حضورها السياسي غير محقق حالياً، إلا أنها قوة مؤثرة في مسار الثورة.
بذات الوقت يمضي القرار الدولي لدعم الورقة الخليجية قطرياً وسعودياً أولاً من خلال المبادرة الخليجية، وثانياً من خلال إعطاء مدة أطول للنظام للتخلص من خصومه السياسيين، بمعنى أن الخليج يهتم، أن لا تطيح الثورة بصالح فقط ويجدون أنفسهم بعد ذلك أمام طرف زادت قوته عسكرياً وقبلياً، وشعبياً، بل يهم الخليج أن يطيح صالح أولاً بهذه القوة قبل انهياره، وان تفقد هذه القوة العسكرية- القبلية الدعم الشبابي لها وقاعدتها الشعبية، وهذا يتم من خلال سحب الشباب باتجاه البساط الدولي، للاستفراد بهم أولاً، ولاحتوائهم بتوفير الحاضن السياسي لهم، ولكن هل تعد هذه الخطوة موافقة للتغيير الثوري الذي تسير إليه اليمن ؟
mona2safwan@yahoo.com
المصدر أونلاين