قال رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة التسليم" من أصبح آمناً في سربه معافا في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بما فيها" وهذا ليس ضعفاً وخنوعاً واستسلاماً وإنما إيماناً بأن على العباد الطاعة وعلى ربهم الإنصاف لقوله تعالى: ((وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)). إني أوجه دعوة صادقة ولوجه الله خالصة، لأبناء شعبي قاطبة حيثما كانوا وأينما كانوا موالين ـ ومعارضين أو مستقلين ـ وإلى جميع إخوتي على ظهر هذه البسيطة بأن عليكم بتقوى الله في سركم والجهر وفي الخفاء والعلانية، فالأمان مكرمة ربانية ونعمة إلهية لا يعلم قدرها إلا من افتقدها..
ولذا فقد احتلت المرتبة الأولى في حديث رسولنا عليه الصلاة والسلام ثم كانت العافية في المرتبة الثانية وقوت اليوم في المرتبة الثالثة، أتعلمون لماذا يا أحبتي؟! لأن انعدام الأمان مترتباته وخيمة ونتائجه مدمرة ليس على الأفراد أو الأسر أو المخيمات فحسب، بل وعلى كل ما يمت بصلة للبلد بشكل عام انه لا يجلب إلا الويل والدمار والخراب والشتات لا يرحم صغيراً ولا كبيراً ولا يستثني شيخاً أو امرأة، بل يتجاوز كل ذلك فيهدم كل مظاهر الحياة من حجر أو شجر أو حيوان، يجعلك بين عشية وضحاها متحسراً نادماً على فقدك له وعلى عافتيك البدنية والنفسية التي جعلت عرضة للهلاك من هذا الطرف أو ذاك، بقصد أو من دون قصد وطبيعي أن يترتب على الاثنين انعدام القوت والجوع لتجد نفسك شريداً خائفاً جائعاً إن لم تكن مريضاً أو جريحاً.
إذا هذه نتائج قاسية تتجرعها المجتمعات والأسر التي لا ذنب لها والتي افتقدت نعمة الأمان وبما أن لدى أبناء زنجبار تجربة قاسية في النزوح ولأنهم عانوا الخوف وتجرعوا عناء التسول والشتات وفرقة الأهل، فإنهم لا يودون أن تتكرر هذه المأساة في أي مديرية أو محافظة ولا نريد لها أن تشرب من كأس العلقم الذي تجرعنا منه ونار الحرب التي جعلتنا نعيش غربة ما بعدها، رغم أننا ما زالنا نعتقد أننا من أبناء محافظة مازالت متواجدة على خارطة الجمهورية اليمنية ونقاوم شعوراً بداخلنا يصنفنا مع إحدى القرى الصومالية وذلك الشعور تولد لدينا عندما أُهملنا وحُصرنا ودفعنا الثمن إنسانياً، فالطريق المعروف بالعلم أو ما أسميته في مقال سابق "معبر رفح" مازال حتى اللحظة مغلقاً والنداءات المتكررة لم تجد لها حتى اللحظة صدى ولا مبالاة أبداً بساعات طوال في الصحاري وعلى قمم المرتفعات والجبال وهكذا أجبرنا إما بتسليم بحصار أو ارتياد طريق محفوف بالأخطار وما تبقى ليس بخفى على أحد إنه العنف الذي لم ولن يأتي بخير ومن يرى غير ذلك فليعطي دليلاً أن عنفاً أثمر أمناً وأطف للشيطان ناراً وحقن لابن آدم دماً وصان لامرأة عرضاً ولا أخفيكم كم يدب الرعب في قلبي عندما استمع إلى نبرات الشحناء والبغضاء التي يرقص الشيطان لها طرباً حيثما وجدت ويفرش لها موائده الرسمية ويدعو إليها أهله ومحبيه ويجلب عليها بخيله ورجله.
وما ليبيا وما حل بين المسلمين فيهما ببعيد عن مكره، فاحذر أن يشد إليكم رحله وينفث بينكم سمه، فأين أنتم يا علماء الأمة ويا أهل الأمانة إننا ندعوكم للاضطلاع بواجبكم الحق فلا تلقوا الله ببرك وأنهار من الدماء على دنيا تدركون يقيناً زوالها وما أنتم ونحن إلا ضيوفاً عليها وأناشدكم الله أن تبتعدوا عن عبارات التهديد والوعيد، فمازال للحكمة صوتها حتى قيام الساعة ورثناه عن الآباء والأجداد وسنورثه للأبناء والأحفاد، فإياكم في لحظة غضب وانفعال تهدمون المعبد على رؤوسكم ورؤوسنا، فالمعارك بين الأخوة خاسرة والنتائج مدمرة، فلا تظلموا أنفسكم ولا أحبتكم واسألوا الله الهداية للجميع والمخرج الآمن من هذا المحنة وأن يجنب الله الوطن جميع الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يحقن الدماء وينعم علينا بنعمة الأمان.