احتفل الشعب الليبي بمقتل الطاغية القذافي وسط فرحة غامرة لا توصف وشاركتهم فرحتهم بقية الشعوب العربية التي ما زالت تحت رحمة "قذاذيفها" الذين لا يعتبرون بمصارع الطغاة وهلاك الظالمين في عصر بزغ فيه الفجر القادم من الشرق ليبدد ظلام الليل الجاثم على كاهل الشعوب العربية ردحاً من الزمن.
ميزة النظام العربي الرسمي أنه تحول إلى غول يلتهم أحلام الجماهير العربية ويوئد تطلعاتها في حياة حرة كريمة آمنة، ناهيك عن نهب خيراتها وتسخير مواردها في قهر الشعوب وبناء ذاته على حساب آلام وجراحات المقهورين تحت حكمه ويتساءل المرء: لماذا يختار الحكام العرب النهايات المأساوية المؤلمة؟! مشكلتنا إننا نتمنى زوالهم ونكره مأساة نهاياتهم التراجيدية ربما لأن العاطفة العربية طاغية علينا ومازلنا نتساءل لماذا لا يحافظ الحكام العرب على الإبقاء على لحظة صغيرة من التصالح مع شعوبهم أو موقف مهما كان صغيراً مع الذات لالتقاط موقف محدود يتنازلون فيه عن كبريائهم ووقوفهم على قمة التل حتى لا يجد لهم التاريخ شيئاً جميلاً في حواشيه على الأقل.. ما كل هذا الإصرار على الاستمرار في العناد الأرعن لتحقق فيهم مقوله "أن حياة الملوك من القصر إلى القبر"؟! لكنها إرادة الله ماضية لا محالة رغم أنف الطغاة وهكذا طوى الليبيون صفحة من تاريخهم المثقل بالجراح والآلام وتجريع الطاغية نفس الكأس الذي سقاه كثيراً من أبناء شعبه طوال أربعة عقود.. واليوم تبدأ ليبيا حياة جديدة يفترض أن تكون خالية من الظلم والقهر والاستبداد.. اليوم يتنفس الليبيون عبير الحرية صافياً نقياً خالياً من رائحة جراثيم الظلم وبكتيريا الطغيان التي سادت في مرحلة الستينات حين كانت موجة صعود العسكر إلى الحكم عبرا أقصر الطرق وأشدها إيلاماً "الانقلابات العسكرية".
واليوم ومع بدء هبوب رياح الربيع العربي انحسرت موجة زعامات العسكر وأفل نجمها وليعلم من جاء بعدهم أن الشعوب لا تقهر.. محنة الزعامات العربية أنها صماء لا تسمع زئير الجماهير حتى تقتلها، ولا أحد يعتبر بمن سبقه إلى السقوط.
أيدينا اليوم على قلوبنا، نخشى من نشوة النصر ان تدفع المنتصر إلى الوقوع في المحظور فيصنع كنافورية جديدة بعد ان ثار ضدها، فالاندفاع المتهور يغلب العدل ظلماً والحرية دكتاتورية وهذا هو مصدر خوفنا وقلقنا على أخواننا الليبين بعد نصرهم المؤزر.. لكن الأمل في الله أولاً ثم في عقلاء القوم ثانياً (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون"..
للتأمل
قيل أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل بعد اسلامه لماذا تصنعون آلهتكم من التمر وحين تجوعون تأكلونها أليس لكم عقول؟! فأجاب "كانت لنا عقول توزن الجبال ولكن أضلها بارئها"