بمجرد فتح محرك البحث "قوقل" وكتابة عنوان (توكل كرمان الناشطة الحقوقية)، تجد سيلاً من الأقلام وردود الفعل الواسعة إزاء فوزها بجائزة نوبل للسلام، هذه الأصداء تراوح أكثرها بالتهنئة والسعادة الغامرة، وبعضها الآخر بالبرود والتشكيك في أحقيتها للفوز، أو بأهمية الجائزة نفسها، ومن يقف وراءها.
قرأت بعض الآراء التي لم تمتدح الجائزة، بل واتهمتها بالإقصاء والتحيّز، وأنها لا تعتمد المعايير الفنية المطلوبة، وتتبنى منطق المحاباة، وتتأثر ببعض النزوات الإعلامية والسياسية، هذا التشكيك في جدوى هذه الجائزة ذات المائة عام ليس هو الأول من نوعه، فسجلها التاريخي حافل بالهرج والمرج والجدل المحتدم، وهذا ما يؤكده (لونديستاد) المديرالحالي لمعهد نوبل بقوله: "هذه الجائزة ربما تكون الأكثر إثارة للجدل على الإطلاق ولكنها أيضاً الأكثر تميزا".إن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: كيف نقرأ كعرب هذه الجائزة؟ هل يكفي أن نقرأ هذه الجائزة فقط بأنها منحت ـ (بضم الميم) ـ لـ "أوباما" و "رابين" و "بيريز"؟ أليست عبارة (توكل كرمان مُناضلة حقوقية تفوز بجائزة نوبل للسلام) أشبه بلوحة مونوليزية عربية جميلة بكل معانيها العميقة؟ إذن فلماذا نُقيد ونُحاصرأعيُننا عندما ننظر إلى هذه اللوحة بالتوغل والتحديق في زاوية ضيقة منها؟، أليس في ذلك التفاف وتجن على جمال اللوحة؟، لماذا لا نستبدل نمطية التفكير الجوائزي بنمطية التفكير الاستحقاقي، بمعنى أنه بدل الحديث عما ورائيات الجائزة فلنتحدث عن "توكل" بوصفها مناضلة تستحق الجائزة، كما استحقها المناضل ورجل السلام "غاندي" والذي عَبر عنه رئيس الجائزة بأنها "الخطيئة الكبرى لجائزة نوبل أنها لم تمنح الجائزة لـ (غاندي) فقط لأنه ميت"! فبناءً على هذه القاعدة الاستحقاقية لا ضير من الوصول عن طريقها إلى الضوء، طالما هي وسيلة شريفة تحقق الحضورالعربي على المسرح العالمي.
إن الخطأ في نمط التفكير الجوائزي هو أنه يحصرنا في تبضيع المنجز الإبداعي بالحكم على الجائزة، والتي لا أتصور أن هناك أي جائزة في العالم أياً كان نوعها ـ علمية كانت أو أدبية ـ لا تُثار حولها هالات من التعجب، أو أنها قد تتعرض للهجوم! ثم إني لا أعتقد أن التفكير الاستحقاقي يُصور فوز إسبانيا مثلاً بمونديال كأس العالم 2010 بأن هولندا والبرازيل والأرجنتين وألمانيا وغانا ليست مؤهلة لذلك التتويج، مما يعني أن الفوز بالجائزة ليس معياراً للتفوق، فهناك الكثير ممن هو مؤهل، ففوز "توكل" بالجائزة لا يعني أنها أفضل من غيرها، فهناك أسماء لامعة مثل "وائل غنيم" و "نوارة نجم" و"إسراء عبدالفتاح" من مصر، و "مروة الغميان" من سورية، وغيرهن الكثير ممن لم يتح لهن البروز والوصول للعالمية، ولكن في النهاية هناك شخصية واحدة فقط هي التي ستتوج بحسب معايير الجائزة، و يكفي أنها تُمنح لناشطة حقوقية عربية، ستُعبد لفعل النساء في الشأن العام سبيلاً ما كان يوماً مطروقاً، ولا السير فيه سهلا.
إنني أقرأ "توكل كرمان" بأنها المرأة التي دخلت في ميدان العمل الحقوقي، والتي جعلت من قضية حقوق الإنسان في كل معانيها وأبعادها الواسعة انشغالها الدائم، فوقفت ضد الفساد وقمع الحريات، كانت تخاطب الحشود في الطرقات بشجاعة قل مثيلها، "توكل" واجهت الكثير من المآسي والتحديات، ولكن لم تنِ عزيمتها لحظة واحدة، بل زادها ذلك إيماناً بقضيتها، ولذلك لم يكن مستغرباً أن تختارها مجلة "تايم الأميركية" ضمن أقوى 500 شخصية على مستوى العالم، وحصولها على الدرجة الثالثة عشرة في الترتيب العالمي للنساء المؤثرات, وكذلك اختارتها منظمة "مراسلون بلا حدود" ضمن أفضل سبع نساء أحدثن تغييرات في العالم.
وختاماً أقول: مما لا شك فيه أن منح جائزة نوبل للسيدة الحقوقية (توكل) يُعد انتصاراً تاريخياً للأمة العربية والإسلامية، وهذا ما يجب أن نتباهى به أولاً, ثم يحق لنا بعد ذلك وفي ظرفٍ آخر أن نعيد النظر قليلا بجائزة نوبل ومعاييرها، أو أن ننشئ جائزة جديدة بمُسمى جديد لها شروط ومعايير عادلة ومنصفة تُضاهي نوبل وربما تتفوق عليها.
نقلاً عن الوطن السعودية