السلام عليك أيتها العزيزة الثائرة، الشجاعة، الشهيدة.. السلام عليك وعلى كل نساء اليمن الثائرات.. أشهد أنكِ الأعزّ ونحن الأذل.. وأنكِ عشتِ عزيزة، ومت شهيدة.. وأن اسمك أصغر بكثير من مُسماك الكبير العزيز.
شكراً لقاتلك الحقير الذي منحك – بسخاء- وسام الشهادة الأعلى.. شكراً للحرس الجمهوري الذي أثبت ويثبت كل يوم أنه مسخٌ لبقايا بشر ليسوا أسوياء.
شكراً للقائمين على أمر قتلك وقتل تعز من قبلك، فلقد أثبتوا أنهم ليسوا أقل شأناً من القائمين على جائزة حين منحوك نوبل ولكن بشكلها المغاير ولونها الآخر.
كنتِ عزاء "تعز" الأوحد يا عزيزة.. كانت تعز تعزّي نفسها بكِ طيلة أيامها السود ولياليها الحارقة، كنتِ سر عزتها، وعنوان اعتزازها وعزاءها، لكن ذلك أغاظ قاتلوك، فباشروك بالموت ليكشفوا بجلاء وضاعتهم وعظمتك ولكي تمضي تعز بقية أيام قتلها بدون عزيزة مثلك تُعزّي به نفسها.
لستِ مصابنا الوحيد في هذه الثورة – التي لا ندري كم من الدماء تحتاج محركاتها لتدور وتعجل بالخلاص- ولكن قتلك بتلك الطريقة هو المصاب الأشد وقعاً على القلب ولسعاً للضمير.. قتلك هو الجرح الأغزر نزيفاً وتألماً والذي لا ولن تخف آلامه ونزيفه حتى تجف ينابيع أحلامك التي اعتصمت بالخلود من حتمية الموت.. فالمؤكد بإقرار العصور والقرون أن عمر الشهيد أطول، وأبقى، وأخلد من عمر قاتله القصير – وإن طال.
لقد أثبتِ أيتها العزيزة الشهيدة أن نوبل أقل تقدير عالمي لما تستحقه المرأة اليمنية.. أثبتِ أن ألف ألـف توكل في هذا البلد المثقل بعقود طوال من الكبت والشقاء والتقزيم.. أثبتِ أن لا شيء من جوائز الدنيا يرقى لما تؤمنين به وترمين إلى تحقيقه، سوى الشهادة التي تمنح في الدنيا لتوديعها وابتداء مراسم التكريم الإلهية في حياة غير هذه، هي بالتأكيد خير منها وأبقى.
لن يهنأ القتلة بمنجزهم العظيم، لن يستمتعوا بالجائزة المرصودة لقتلك، ستظل أرواحهم مسكونة بالوحشة والرعب مهما وكيفما حصنوها، ستظل قلوبهم محاصرة بدوائر دمك الطاهر المسفوح، وستظل الحياة بالنسبة لهم امتداداً لمزيد من الضنك والبؤس.
يبدو أن هذا النظام لا ولم ولن يُبقي له شيئاً من الود في نفوس اليمنيين، لم يكفه نهب الأموال، واستلاب الثروات، وهبر الحقوق، بل طالت يداه كل اليمنيين على اختلاف أعمارهم.
لقد سلب الشيخ رشده والشاب شدته وزهوه والطفل لطفه وبراءته والمرأة مروءتها ومكانتها، ولم يقف عند هذا الحد، بل قتل الشيوخ والشباب والأطفال وأخيـــراً النساء..
لقد أجبرنا هذا النظام على نسيان كل حسناته بعد قتله للطفل "أنس السعدي" وأوجب على نفسه ليس المحاكمة والمحاسبة، بل والتعزير بعد قتله للعزيزة "عزيزة".. لقد نجح النظام وبجدارة في انتزاع كل خلايا النسيان من أدمغة النساء اليمنيات بعد اغتياله الشهيدة "عزيزة"، فإن نسي الرجال أو تناسوا حق عزيزة وما قتلت لأجله، فإن النساء أبداً لن تنسى ذلك.
"عزيزة" و"تعز" كان في إحداكما عزاء للأخرى، فمن منكما أعزي؟.. عذراً لقد بحثتُ عن عزيز قول أعزيك فيه يا عزيزة، فعز عليّ ما أردت، إنه عجز الكسير قلبه عن القول.
شعور بالحزن مخيف، ينبئ بالأخطر المتربص بما نريد.. لقد كشف مقتل عزيزة عن ذوبان مرعب للأعراف والتقاليد، وانهيارٍ لكل كتل الإنسانية التي تعارف عليها البشر.. أبدى للعالم وبكل وضوح وجلاء مدى التصحر الأخلاقي والجفاف القيّمي الذي استوطن أفئدة القتلة والمأجورين في بلد شهدت لرقة قلوب شعبه النبوة.. يا إلهي أي قوة قلبت تلك القلوب إلى قوالب جامدة، تستبدل الرقة بقسوة قلّ نظيرها في تاريخ الإنسانية؟!.
شكراً لكِ يا عزيزة.. كنت عزيزة في الدنيا وأنت بإذن الله كذلك في الأخرى.. صورتك وأنت على الأرض مسجاة معصوبة الرأس، مغمضة العينين، زاهية كالصفاء، باسمة كالملائكة ستظل حيّة معاصرة تُقبّح وجه التاريخ الذي حفل بقاتليك.. ستطارد كل تلك العمائم التي جوزّت قتلك وقتلنا، إرضاءً، وطمعاً بنوال زهد رخيص من على يديه.
لقد حُرمت عزيزة من حقها في الحياة بفضل هذا النظام الذي يتساوى عمره بعمرها، ظلت مع ذلك تعطي الكثير والكثير وبجود وسخاء وظل هو يمنع ويحجر ويسلب ويخرب.. هي لم تكن تعطي إلا كل غالٍ ومحبب.. وهو لم يعط إلا كل منغصٍ ومقيت ومميت.. مات عطاؤها بيديه التي اغتالتها وبقيَّ عطاؤه القاتل، يبحث عن أنفس يُهدي إليها الموت بلا مقابل.
وهنا يجب على الثورة أن تضع حداً لهذا التمادي في الغيّ، يجب أن تكون الجمعة القادمة جمعة الشهيدة عزيزة المهاجري.. يجب أن يسمى أحد الشوارع الرئيسية في صنعاء باسم هذه المرأة العزيزة وليكن شارع محمد عبدالله صالح مثلاً.. يجب أن تكون عزيزة نقطة فارقة في تاريخ هذه الثورة، يجب أن يكون كل ذلك وهذا ليس منّاً من الثورة، ولكنه أقــل واجب عليها تجاه "عزيزة".. تعز التي وهبت روحها رخيصة – وهي العزيزة- من أجل أن تنجح هذه الثورة.