تناولنا في الحلقة الأولى بيان جمعية علماء اليمن ورد علماء اليمن عليه بالأدلة الشرعية والنصوص الواضحة الصريحة وتطرقنا لسكوت جمعية علماء اليمن المريب طيلة الفترة الماضية عن كل الجرائم التي يرتكبها نظام صالح ضد أبناء الشعب اليمني وغياب الدور الفاعل لجمعية علماء اليمن لارتباطها بالسلطة وارتهان مواقفها بها وهو ما دفع علماء اليمن الأحرار إلى تأسيس كيان مستقل للعلماء، متحرر من سطوة السلطة والأحزاب وهو " هيئة علماء اليمن" وأوردنا كذلك الرسالة التي وجهها الشيخ/ عبد المجيد الزنداني لعلماء اليمن من كل التيارات والمحافظات.
وفي هذه الحلقة والحلقات القادمة سنوضح أهداف هيئة علماء اليمن وأسباب قيامها، ثم نسرد أهم جهود الهيئة خلال السنوات الماضية وخلال أحداث الثورة الشبابية السلمية المتواصلة..
أهداف تأسيس هيئة علماء اليمن
.1الدعوة إلى الله تعالى، ونشر الوعي الإسلامي البعيد عن تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
2. الدعوة إلى الاحتكام إلى شرع الله في جميع شؤون الحياة، وترسيخ المرجعية الشرعية في حياة الناس حكاماً ومحكومين.
3. التصدي للغزو الفكري وما يثار من شبهات تجاه الإسلام عقيدة وشريعة.
.4إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحسبة امتثالاً للأمر الرباني قال تعالى: (ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104]
.5 مناصرة القضايا الإسلامية وبيان الواجب الشرعي تجاهها.
.6 تحرير المفاهيم والمصطلحات الشرعية وضبطها في ضوء الكتاب والسنة.
.7 السعي لتوحيد الصف، والعمل على إصلاح ذات البين، وإزالة كافة أسباب التفرق والتنازع.
وأما أسباب تأسيس هيئة علماء اليمن فهي:
1. من أجل القيام بالواجب الشرعي الذي أخذه الله على العلماء في بيان حكم الله في كل نازلة، خاصة في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بالناس، وفي ظل هذا الفراغ الذي تركه غياب كيان قوي للعلماء.
2. إن العلماء لما رأوا جمعية علماء اليمن لم تقم بواجبها الشرعي، الذي أسست من أجله نتيجة التجميد الحاصل لها من قبل السلطة، التي كانت تحرك الجمعية متى تريد، وتجمدها متى تريد، وتدعوها للاجتماع متى تريد، وإذا اجتمعت تُملى البيانات إملاء بما يريد الحاكم، وما على العلماء إلا الحضور للتصوير والمصادقة، فأصبح علماء اليمن في الجمعية مسخرين لخدمة الحاكم لا لبيان حكم الله تعالى.
.3 ما يلاحظ من إقحام كثير ممن ليسوا أهلاً للفتوى أنفسهم في المسائل والقضايا الشرعية، والخبط فيها، ومحاولة لي أعناق النصوص وتسخيرها من أجل رغبات وأهواء معينة؛ فأصبحت الشريعة الإسلامية كالجدار القصير يقفز عليه كثيرون دون مبالاة.
.4 خطوة جادة وفاعلة من أجل استعادة الدور الريادي والقيادي للعلماء في المجتمع بعد أن همشتهم الأنظمة وتجاهلتهم وسائل الإعلام فصار الممثلون ولاعبو كرة القدم والفنانون هم نجوم المجتمع وقدوات أبنائه وصار العالم بالشرع والمفكر غرباء في مجتمعاتهم بينما تتوقف حركة السير في الشوارع إن ظهر الممثل الفلاني أو اللاعب العلاني ونحن هنا لا نعادي الرياضة الجادة أو الفنون الهادفة وإنما من باب الحديث عن واقع ملموس..
هناك تقصير من العلماء
ولابد من القول أن العلماء يتحملون جزءاً من المسؤولية عن تهميشهم وتخلفهم عن قيادة المجتمع وتصدرهم لوسائل الإعلام والتأثير فبعضهم تفرقوا في جماعات وأحزاب وتيارات وهي حقيقة لا تحول دون اجتماع العلماء وتوحيد صفهم، فوحدة الصف لا تستلزم وحدة الرأي وكذلك بعض العلماء حصروا أنفسهم في وظيفة مكتبية بجهة علمية أو خيرية أو دعوية أو بالتدريس بالجامعة أو الخطابة أو الإمامة بالجامع ولا إشكالية في هذه الوظائف وإنما ينبغي على العالم أن يتجاوزها ولا يحصر نفسه بها ويخرج للناس مرشداً لهم وناصحاً وموجهاً وكذلك سكوت بعض العلماء عن قول كلمة الحق في وجه كل مخطئ حاكماً أو محكوماً وعدم نزولهم لواقع الناس وابتعادهم عن هموم الشعب وأنا هنا لا أعمم وأقول بعض فهذه الصفات وإن جاز إطلاقها على البعض فهي لا تنطبق على الكل، فهناك علماء كثيرون أحرار، جمعوا بين العلم والعمل والدعوة والحسبة وقالوا كلمة الحق دون أن يخشوا في الله لومة لائم وبذلوا جهدهم وما بوسعهم فأبرأوا ذمتهم ولكن يبقى هناك نوعاً من التقصير نلومهم عليه ونعذرهم فيه ونحسن الظن بهم ونحثهم على إكمال جوانب النقص والقصور من باب النصيحة كما جاء في الحديث الشريف عن أبي تميم بن أوس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه البخاري و مسلم. وأئمة المسلمين المذكورين بالحديث المراد بهم العلماء والأمراء على السواء، فالعلماء هم أئمة الدين، والأمراء هم أئمةٌ الدنيا، فأما النصح للعلماء: فيكون بتلقّي العلم عنهم، والالتفاف حولهم، ونشر مناقبهم بين الناس، حتى تتعلّق قلوب الناس بهم، ومن النصح لهم: عدم تتبع أخطائهم وزلاتهم، فإن هذا من أعظم البغي والعدوان عليهم، وفيه من تفريق الصف وتشتيت الناس ما لا يخفى على ذي بصيرة.
وكاتب هذه السطور لا يعد نفسه من العلماء ولا ناطقاً باسمهم وإنما من محبيهم وطلبتهم المقصرين، ومن باب الإنصاف وقول كلمة الحق أن هيئة علماء اليمن رغم محدودية إمكانياتها وعمرها القصير إلا أنها استطاعت أن تؤثر في الأحداث وأن يكون لها موقف وبيان في كل الأحداث الهامة، التي مرت بها بلادنا في السنوات الماضية وخلال أحداث الثورة المباركة ولم تكتف بالبيانات بل شكلت في بعض القضايا وفوداً التقت بالمسؤولين وعقدت المؤتمرات واللقاءات وفيما يلي سنورد أبرز جهود هيئة علماء اليمن في السنوات الماضية:
جهود هيئة علماء اليمن في السنوات الماضية:
إدراك مبكر لخطورة المرحلة
لم يكن علماء اليمن يعيشون بمعزل من الأحداث التي تمر بها البلاد فقد أدرك علماء اليمن خطورة المرحلة التي تمر بها اليمن من وقت مبكر؛ فعقدوا لذلك مؤتمراً في صنعاء بتاريخ ذي القعدة 1428هـ الموافق نوفمبر 2007م تحت عنوان: (الأوضاع الراهنة في اليمن وموقف العلماء منها) حضرها عدد من كبار علماء اليمن من مختلف الاتجاهات، ناقشوا الاختلالات في جميع الجوانب الدينية والأخلاقية والاقتصادية والسياسية والإدارية والقضائية والحقوقية، ودعوا لمعالجة مظالم إخواننا من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، وصدر بذلك بيان أشبه بمبادرة لتدارك الأوضاع قبل استفحالها، وتحرك وفد من كبار علماء اليمن في 2007م للقاء بالرئيس في عدن، ثم بعد ذلك تم اللقاء مع أحزاب اللقاء المشترك في دعوة مبكرة لجميع الأطراف والقوى الفاعلة على الساحة اليمنية لتدارك الأوضاع قبل استفحالها.
متابعة العلماء لمجريات الأحداث:
ولم تتوقف جهود العلماء عند عقد المؤتمرات وإصدار البيانات بل تابع علماء اليمن مجريات الأحداث السياسية في اليمن وفي مقدمتها التحاور بين أطراف العمل السياسي الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك، وأصدرت الهيئة بياناً في شهر شعبان 1430هـ تؤيد تلك الخطوات المتخذة لحل الخلافات ونزع فتيل الأزمة، ولمّ الشمل، وتوحيد الصفوف، وتقوية الجبهة الداخلية للحفاظ على ديننا وقيمنا ووحدتنا وأمننا واستقرارنا، والتوجه بروح فريق العمل الواحد للبناء التنموي والاقتصادي.
مبادرة لحل مشاكل اليمن
ثم قدم الشيخ/ عبد المجيد الزنداني ـ رئيس هيئة علماء اليمن ورئيس جامعة الإيمان ـ مبادرة لحل المشاكل التي تعاني منها البلاد ودعا حينها إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل أطياف الشعب اليمني، وإيجاد قضاء مستقل، وتشكيل لجان في المحافظات تعمل على رد المظالم والحقوق إلى أهلها، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
وشدد الشيخ الزنداني حينها على أهمية إيجاد لجنة وطنية لصيانة الدستور ومنع اختراقه وتوعية الشعب بحقوقه، ومنع الجرعات السعرية، ورفض دعوات الانفصال، وحماية استقلال البلد والتصدي لأي تدخل عسكري أجنبي.
وأقترح الشيخ الزنداني يومها أن تشكل لجاناً من أهل الدين والأمانة لتقوم بالنزول الميداني لكل كل محافظة بل وفي كل مديرية تذهب هذه اللجان لتسمع ولتشاهد ولتسأل عن المظلومين ولتسأل المظلومين ما هي مظالمهم ويكون معهم محاكم مستعجلة أي أنها تنظر في الشكوى وتنظر فيما يقوله المظلوم وتأتي بالظالم وتحاكمه وتحاسبه.
ودعا الشيخ الزنداني يومها إلى استقلال القضاء حتى يقوم بدوره بدلاً من حكم التلفونات والضغوط المغالطات كما اقترح أن " تجتمع الحكومة والأحزاب والمعارضة والمفكرون والعلماء والقادة كي يتدارسوا ما هي الضمانات لانتخابات حرة ونزيهة كما تحدث في كثير من دول العالم التي نراها متقدمة ماديا ومستقرة ولا تتعرض لمثل هذه الحروب والدمار.
رفض العلماء للجرع والفقر والفساد
ولم ينسى فضيلة الشيخ الزنداني في تلك المبادرة ما تعيشه بلادنا من الفقر والجوع والجرعات فقد قال: إننا نتجرعها منذ خمسة عشر عاماً و منذ خمسة عشر عاماً ونحن نحذر من هذه الجرعات" ونتائجها المتمثلة بالفقر والركود الاقتصادي وتقلص فرص العمل وزيادة البطالة، وهو ما يعمل على انتشار الرشوة بين الموظفين والجريمة والاختطافات والتقطع والتسول.
وشدد الشيخ الزنداني على "أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، مشيراً إلى أن من أوجه الفساد التي نشكو ويشكو منها مجتمعنا الهدم للأخلاق من مراقص وفنادق تبيع الخمور، وغيرها من أساليب ووسائل هدم أخلاق المجتمع وطمس هويته الإسلامية، متسائلاً "من الذي سمح لهذه الفنادق ولهذه المراقص والخمور أن تفسد أخلاقنا وتنشر الفساد في مجتمعاتنا وتمسح هوية أبنائنا وبناتنا؟!!".
وأضاف حينها: سيقولون توجد جهات مختصة وإذا كان لك شكوى قدمها للمحكمة وهكذا نرجع إلى القضاء ولا يمكن أن يستقر لنا حال بغير قضاء نزيه وعادل فوق السلطة ويخضع لشرع الله فقط.