على إثر صدور بيان "جمعية علماء اليمن" انطلقت حملة رفض واستهجان واسع لما ورد بالبيان الذي خلط الحق بالباطل وحرم الخروج على الحاكم سواء كان بالقول أو بالفعل وقد تجاوز الرفض والاستهجان لما ورد في بيان شباب الثورة السلمية وعلماء اليمن ودعاته ومثقفيه إلى مشاهير العلماء والنخبة بالعالم الإسلامي بما فيهم علماء ودعاة من المملكة العربية السعودية والتي يرى البعض أن علماءها ودعاتها يتبعون حكامها ولا يجرؤون على مخالفتهم، فكثير من هؤلاء العلماء والدعاة استهجنوا ما ورد بالبيان وردوا عليه ليسجلوا موقفاً متقدماً مقابل علامات استفهام ومفارقة جديدة تضاف إلى سجل مفارقات "جمعية علماء اليمن".
وكنت قد شاهدت أحد المحسوبين على العلماء والدعاة ممن ينتمون للمؤتمر الشعبي العام وممن حضروا المؤتمر العلمي، الذي تمخض عنه البيان المشئوم -في مقابلة بقناة السعيدة الفضائية- حيث قال: إنه قد تم خلال المؤتمر نقاش واسع لكل مواد البيان وبنوده وتمنى على العلماء الرافضين لما ورد بالبيان أن يردوا بالتي هي أحسن، برد شرعي بالأدلة الشرعية والنصوص من الكتاب والسنة والإجماع، بدلاً من حملة التشهير والتهجم والشتائم التي كالوها لمن حضر المؤتمر.
والحقيقة التي أشهد بها لله بين يديه أنني لم أجد فيما سمعت وشاهدت وقرأت شتائم وسباباً وتهجماً من علماء اليمن ودعاته المعتبرين وإنما وجدت لوماً واعتراضاً من العلماء والدعاة وبعضهم بينوا حقيقة "جمعية علماء اليمن" التي أسسها صالح لمآربه الخاصة وليست كياناً مستقلاً مؤثراً وليس لها مصداقية عند الناس كما أكد ذلك الشيخ الدكتور/ عقيل المقطري -في حوار نشر مؤخراً في صحيفة " اليقين"- وكذلك ما قاله الشيخ/ محمد الحزمي: إن بيان جمعية علماء اليمن بيان عسكري صادر عن قيادة الأمن المركزي والحرس الجمهوري، تم إلباسه لباس العلماء كي يبرروا للرئيس علي عبدالله صالح سفك المزيد من الدماء، وإعلان الحرب الشاملة على أبناء شعبه.
مفارقات عجيبة وغريبة!!
ومن المفارقات العجيبة والغريبة والتي تدل على الإفلاس المخيف، الذي وصل إليه إعلام النظام وأبواقه أن يقوم خطيب الجمعة في السبعين بتكفير الشيخ/ يوسف القرضاوي وكيل الشتائم للشيخ/ عبدالمجيد الزنداني وعلماء الإصلاح، ثم يتهم الإعلام الرسمي الشيخ الزنداني وعلماء الإصلاح بقيادة حملة تكفير ضد علماء جمعية علماء اليمن.. يعني يكفرون العلامة القرضاوي ويشتمون الشيخ الزنداني ويكيلون له التهم وهو ساكت، مترفع عنهم، ثم يتهمونه بتفكيرهم، حيث يصدق فيهم المثل"رمتني بدائها وانسلت".
شخصياً أنا ضد الشتائم والتجريح من أي جهة كانت ومع الرد بالأدلة الشرعية والوقوف مع ما تضمنه بيان جمعية علماء اليمن والرد عليه نقطة نقطـة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( ليس المسلم بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء) والحديث صحيح على شرط الشيخين..
تساؤلات حول جمعية علماء اليمن؟!
لا بد من توضيح خطورة بيان "جمعية علماء اليمن" وانتقادهم ونصحهم وحثهم على أن يتقوا الله في هذا الشعب وقد سكتوا عما يتعرض له أبناء اليمن من قبل قوات صالح وبلاطجته من جرائم القتل والتشريد والاختطاف وقطع للخدمات واغتيال لبعض الشخصيات وتدمير البيوت والممتلكات والمساجد وهي بيوت الله ولكن لم يراعوا لها حرمة ولا هيبة ولا قدسية وكذلك تدمير المزارع وترويع الآمنين وإقلاق السكينة العامة وكذلك التدمير الذي يطال مراكز ومؤسسات حقوقية ومنظمات مجتمعية معروفة وكذلك الحملة التي تطال شخصيات المعارضة من إغتيالات وتهديدات وإيقافات وشتائم وتشويه في وسائل الإعلام الرسمية الممولة من قوت الشعب، كل هذه الجرائم للأسف سكتت عنها "جمعية علماء اليمن" دهراً وهو ما يضع علامات استفهام وتساؤلات حول طبيعة عمل هذه الجمعية ودورها، وكان الأولى بمن اجتمعوا من بعض علماء جمعية علماء اليمن وغيرهم ممن كثروا السواد وكملوا النصاب في المؤتمر العلمي الذي تمخض عنه ذلك البيان القاتل أن يوجهوا رسالة قوية لصالح ويدعونه للتنحي عن السلطة من باب المصلحة المؤكدة ومن باب سد الذرائع ودرء المفاسد المتحققة ببقائه ولكن للأسف جاءونا بفتوى القتل دون إدراك لخطورة النتائج المترتبة على ذلك البيان والفتوى التي تعتبر تشريعاً للحاكم بقتل الملايين في ساحات الحرية والتغيير في عموم المحافظات والذين هم -بحسب البيان- المشؤوم بغاة مخربين خوارج يجوز للحاكم قتلهم .
رد علماء اليمن على بيان الجمعية:
وكنت قد تواصلت مع بعض العلماء والدعاة للرد بالأدلة الشرعية والنصوص الواضحة ولو بصفة فردية على ما تضمنه بيان "جمعية علماء اليمن"، فأبلغوني بوجود بيان عام باسم علماء اليمن وهو نوع من الاجتهاد الجماعي وقد قام العلماء، مشكورين بنشره وإذاعته في ساحة التغيير وعبر وسائل الإعلام يوم 8/ذي القعدة/1432هـ الموافق 6/ أكتوبر / 2011م وهو منشور في "مأرب برس" على هذا الرابط http://marebpress.taiz-press.net/news_details.php?lng=arabic&sid=36980
وأنا في هذا المقام أشيد بجهود علماء اليمن وبيانهم الذي ينص على أن التوقيع على المبادرة الخليجية من قبل صالح وبشكل فوري واجب شرعي وذلك لحقن دماء اليمنيين وتفويت الفرصة على الطابور الخامس الذي يسعى لجر البلد للعنف والحرب رغم أن المبادرة الخليجية تعد انتقالاً مؤقتاً للسلطة إلى أطراف داخل نظام صالح نفسه كما أنها توفر له ولعائلته ضمانات وحصانة من الملاحقة القانونية رغم ما حدث ويحدث إلا أنها أخف الضررين برأي هؤلاء العلماء، الذين اجتهدوا حقناً للدماء وتغليباً للمصلحة العامة ودرءاً للمفاسد المؤكدة والعظيمة في حال نشوب حرب.
غياب الدور الفاعل لجمعية علماء اليمن:
وقبل أن نصل إلى الحديث عن هيئة علماء اليمن، لابد أن نؤكد على أن غياب الدور الفاعل لجمعية علماء اليمن بسبب ارتباطها بالسلطة وعدم استقلاليتها وارتهان مواقفها وما يصدر عنها بموافقة السلطة وكذلك غياب النشاط الحقيقي للجمعية عدا تلك البيانات الموسمية عن القضايا العامة الخارجية كقضية فلسطين أو الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، كل هذه الأسباب وغيرها عطلت الجمعية وقيدتها عن القيام بدورها المطلوب في مجتمع متدين ويتفاعل بشكل إيجابي مع ما يصدر عن العلماء وقد كان يحز في نفسي في السنوات الماضية أن يكون إتحاد كرة القدم مثلاً كيان مؤثر وفاعل ونشط في مجاله وتخلو الساحة من كيان فاعل ومؤثر للعلماء.!!
تداعي العلماء لتأسيس هيئة علماء اليمن:
عجز جمعية علماء اليمن عن القيام بدورها المطلوب وتقييدها من قبل السلطة دفعت بعدد من العلماء وعلى رأسهم الشيخ/ عبدالمجيد الزنداني إلى التنادي إلى تأسيس كيان مستقل وحر لعلماء اليمن، كيان يجمع شتات العلماء ويوحد جهودهم ويجعل من المؤسسة العلمائية كياناً فاعلاً ومؤثراً وقيادياً في المجتمع ولديه الاستقلالية الكاملة عن السلطة أو الأحزاب ولديه متابعة وقراءة للأحداث والمستجدات ويقدم رؤية شرعية لها ويوضح حكمها عبر بيانات وتوصيات ونصائح ورسائل تصدر عنه بحيث لا يمر حدث هام دون موقف واضح من العلماء ورؤية شرعية واضحة حوله، فهو كيان فاعل ومؤثر يتجاوز بنشاطه البيانات والتوصيات إلى أنشطة شرعية وفكرية أعم وأوسع.
وبعد مشاورات ولقاءات واجتماعات تم تأسيس هيئة علماء اليمن، حيث تم اختيار الشيخ/ عبدالمجيد الزنداني -رئيساً لها- والشيخ/ أحمد بن حسن المعلم -نائباً للرئيس وأميناً عاماً ومقرراً- وضمت الجمعية في عضويتها عشرات العلماء المجتهدين، الذين تتوفر فيهم صفات العالم المؤهل للإفتاء والنظر في المسائل الشرعية والقضايا العصرية .
رسالة الشيخ الزنداني لعلماء اليمن:
ولعل من يقرأ الرسالة التي وجهها الشيخ/ عبدالمجيد الزنداني -في الحوار الذي أجريته معه، والذي نشرته صحيفة "الناس" و"صوت الإيمان" وأعادت نشره بعض وسائل الإعلام المحلية والعربية- يدرك رؤية الشيخ/ عبدالمجيد الزنداني لهيئة علماء اليمن ودورها وإدراك العلماء أمثاله لأهمية الدور الذي يقوم به العلماء في المجتمع.
يقول الشيخ/ الزنداني:( الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «العلماء ورثة الأنبياء»، ولذلك فالذي يريد أن يبين كلام الله وكلام رسوله لا يجوز له أن يقيم وزناً لغير الله.. إذا كان العالم ضعيفاً، عليه أن يسكت ولا يجوز له أن يتكلم بالباطل، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «قل خيراً أو فاصمت»، يتكلم بالحق أو يسكت إذا كان لا يستطيع أن يتحمل النتائج.
أطالب بتحرير العلماء من سيطرة السلطة؛ لأن علماء السلطان يرهنون أنفسهم ومواقفهم بما يرضي السلطان؛ بإشارة يتحركون وبإشارة يسكتون، ولذلك علينا أن نتحرى مرضاة الله عز وجل، ولذا أطالب أن يكون للعلماء كيان وميزانية من الدولة، تغنيهم عن المذلة التي يمارسها الحاكم ضدهم.
ويضيف الشيخ الزنداني: إنني أدعو الجميع إلى أن يجتمعوا ولا يتفرقوا، فهم قدوة، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]، وهم يعلمون حبل الله كتاب الله وكلمته الشارحة له، ويجب على العلماء أن يكونوا قدوة لشعبهم بجمع الكلمة وتوحيد الصف، ولا يصيبهم ما أصاب غيرهم من الكيانات من التمزق والتشرذم بسبب الفعل السياسي، أو التأثر بمواقف الحكام وهذه دعوة أوجهها لجميع العلماء الأتقياء، الذين يريدون أن يرضوا الله جل وعلا، أن يجتمعوا ويوحدوا جهودهم، وكلما جاءتنا مشكلة نحيلها للعلماء.
نحو علماء أحرار لا تحركهم السلطة أو الأحزاب:
ويختم الشيخ/ الزنداني رسالته للعلماء -في ذات الحوار- بقوله: ( أدعو الجميع إلى الاجتماع ورفض التأثيرات السياسية سلطة أو أحزاباً.. هم يتهموننا بأننا علماء أحزاب ونتأثر بتوجيه الأحزاب، ونحن نبرأ إلى الله من ذلك، لا نتأثر بسلطة الحكومة ولا بسلطة الأحزاب، بل نقول كلمتنا، وفي بعض الأحيان نقولها ضد المواقف التي يتخذها الحزب الذي ننتمي إليه لأن هذا هو واجب العالم أن ينصح للجميع، ولا يخضع لأي تأثير غير كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة.. فأدعو العلماء أن يجتمعوا ويتعاونوا ويكونوا كياناً علمياً موحداً يقود الحركة العلمية في بلادنا شؤون الحياة بتوجيهات الدين الحنيف، فإذا فعل العلماء ذلك احترمهم الناس وأحبوهم؛ لأنهم يبلغون دين الله ولا يخافون لومة لائم. انتهى كلام الشيخ وقد نقلته هنا على طوله النسبي لكونه معبر عن رؤية جمعية علماء اليمن ودورها ودور العالم في كل مكان وزمان.
في الحلقات القادمة سنتطرق بإذن الله إلى أهداف هيئة علماء اليمن وجهودها في معالجة الأحداث ورؤيتها للقضايا التي مرت وتمر بها البلاد.
محمد مصطفى العمراني
جهود هيئة علماء اليمن في معالجة الأحداث "الحلقة الأولى" 2829