كُتب الكثير من الكلام والجمل والعبارات الجميلة والأسطر الرائعة بمناسبة فوز الإنسانة الرائعة والثائرة الجسورة توكـل عبدالسلام كرمان بجائزة نوبل للسلام، طبعاً هذا الحدث الأرضي وما له من بعد إنساني وقيمي وثوري، وما يحمله من معان ودلالات لا تقف عند كونها جائزة عالمية حصلت عليها بجدارة شابة يمنية عربية مسلمة خرجت منذ وقت مبكر تنادي بالحرية والعيش الكريم لكل شيء حي في بلد استحكمت عليه ثلة أقل ما يقال عنها "عصابة بامتياز".. هذا الحدث الذي تشرف به كل عربي مسلم حر وليس الرائعة توكل فحسب، لن نفيه حقه مهما كتبنا له من أسطر وعبارات، فالحدث تاريخي عظيم يتجاوز حدود الزمان والمكان ويبعث لكل إنسان حر يسعى لنيل حقوقه من الديمقراطية والحرية والعيش الكريم بفعل ثوري نبيل لا يعرف سوى سلمية و"توكَل"، يبعث له الأمل في أن الخير سينتصر على الشر وأن ثورات ربيعنا العربي ستنال بجدارة واستحقاق كل أهدافها النبيلة التي خرج البسطاء والفقراء والأحرار – وهم السواد الأعظم- لانتزاعها من شلة مستبدة مستكبرة أفسدت في الأرض كل شيء وصادرت من شعوبها أبسط مقومات الحياة حتى الحرية في طريقة العيش..حيث جعلت من الشعب أكثرية من الفقراء والمعوزين والمحتاجين يرجون فتات وهبات وصدقات من مجموعة يمكن أن تصفهم بالمسخ..
لكن ما حدث هو العكس من ذلك، فتوالت الوفود الشبابية في مسيرات واعتصامات حتى اليوم لينتزعوا حقوقهم المنهوبة..
منذ الوهلة الأولى لسماع خبر حصول المنافحة الحقوقية توكـل كرمان باستحقاق لجائزة "نوبل للسلام" والسعادة تغمرني ولا أستطيع أن أصفها حتى اللحظة، تخيلت حينها كيف أنه كان بإمكان رئيس المؤتمر الشعبي العام فخامة الأخ/ علي عبدالله صالح أن يأخذ المكانة والشرف العالميين اللذين حصلت عليهما المواطنة البسيطة توكل كرمان ودخول التاريخ من أوسع أبوابه، بمجرد قرار كلماته لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، ولأن النية أصلاً غير موجودة، وجانب الشر في التركيبة السيكولوجية للأخ الرئيس دائماً ما يتغلب على جانب الخير الذي عادة ما يصطدم بالنفس الأمارة بالسوء، فلم تحدثه نفسه اللوامة أبداً بمعنى خروج الشعب ليقول "إرحـــل" حتى يستلهم تلك اللحظة التاريخية التي كان يمكن أن تضع "ص" بدلاً عن "س"، إلا أنه عندما غاب الصدق والنوايا السلمية حضرت النفسية "الشمشونية" وأمرت بإصدار قرار تدمير كل شيء للحفاظ على لا شيء، مع الاحتفاظ بسجل مليء بالجرائم أقلها اعتقال وإخفاء لأشخاص لا حول لهم ولا قوة، كل ذنبهم أنهم يبحثون عن لقمة عيش كريمة لم تغمس وسط مال أو دم حرام..
ومن سجل هذه الجرائم العظام التي يرتكبها بقايا النظام، اختطاف مدير التوزيع بصحيفة "أخبار اليوم" منذ أربعة أيام وحتى لحظة كتابة هذه الأسطر وجميع الأجهزة الأمنية تنكر وجود الأخ/ محمد علي الحاضري لديها، رغم أن المعلومات تؤكد تعرضه لعملية اختطاف وإخفاء قسري من قبل أجهزة الأمن.. ليست الحادثة الأولى ولن تكون الأخيـرة طبعاً في ظل نظام بوليسي قمعي ألِف واستخذى فعل كل ما هو مُدان، حتى أدمن ارتكاب الجرائم ليمارسها كطقوس يومية ضد الجميع، المهم أن العملية تتم بنجاح بغض النظر عمن هو الشخص الذي يتم قتله أو قمعه أو اعتقاله وتعذيبه..
شخصياً لا استغرب قيام هؤلاء "المسخ" من بقايا النظام بجرائم بهكذا فداحة، لسبب بسيط هو أنني أدرك أن من يدير هذه الأجهزة ويصدرون الأوامر بقتل الشعب واعتقاله ليس لديهم ذرة من الأخلاق أو أدنى شعور بالمسوؤلية والإنسانية، فأحسن السيئين فيهم ينهي مقابلة صحفية مع إحدى المراسلات الصحفيات حدثته عن قتل وخراب ودمار وانهيار في بلد أكثر من نصف سكانه يعيشون تحت خط الفقر بمعنى "لا يمتلكون قيمة الخبز والزبادي"، ليختتم ذلك المسؤول المقابلة الصحفية بابتسامة عريضة وإيصال المراسلة إلى الفندق – وهذا ليس تواضعاً طبعاً- لأن الهدف من "التوصيلة" شيء آخر قد تكون مسامع تلك المراسلة قد التقطت آخره الذي انتهى بـ"سكستي ناين" ثلاث مرات.
إذاً على الجميع أن يدرك أنه من نفس ذات السجل لهذا النظام وممارسات القمع والقتل ضد الشعب هو ما أوصل "نوبل السلام" إلى "توكل اليمن" وكفى.
إبراهيم مجاهد
نوبل.. حدث تجاوز الزمان والمكان 2538