ماذا يمكن أن يكتب المرء حين تغدو الأقلام سيوفاً والنقاط ثكناتٍ عسكرية وكل علامة استفهام حبل مشنقة؟! ماذا يمكن أن نقول حين ترتفع أصوات الرصاص والقنابل ويصبح لآلة الحرب لسان ناطق ومندوب رسمي متحدث باسم الوطن!
وطن كممت فاه أيدي أبنائه، وبدلاً من أن يكونوا درعهُ الحصين أمامه جعلوه أمامهم واحتموا بأشلائه، أين هو الوطن من نعيق البوم الذي علا ولا زال يعلو؟ وأين من كانوا حماة الأرض والعرض والدين والعقيدة؟! أين ذهبت تلك الأجيال التي بقيت سنيناً تردد كل صباح على مسمع الدنيا (الله، الوطن، الثورة، تحيا الجمهورية اليمنية) أين ذهب الله والوطن والجمهورية اليمنية حين لم تذكروا إلا الثورة؟! يا الله ما أسوأ أن يقول المرء ما لا يفعل، إنه أكبر المقت عند الله رب العالمين، والقضية لم تعد في قولٍ أو فعل بل في عقيدة تخريبية أصبحت معتنقة ويؤمن أصحابها أنها الحل الوحيد الذي في أيديهم للخروج من الأزمة بينما الحقيقة أننا بوجود هذا المعتقد دخلنا أزمة جديدة خانقة أصبحت لا تأبه لدم أو جرمة أو مال، العنف لا يصلح شيئاً، والقوة لن تجدي نفعاً إذا كانت كل الأطراف المتنازعة لا تؤمن بوجود حل إلا باستخدام هذه القوة، وهذه هي بداية النهاية لقضايا سياسية لم تحسمها الأيام ولم تخفف من شدة احتقانها مواقف البعض، الحبال المشدودة لا بد أن تتقطع وهذا تحديداً هو ما يحدث اليوم إذ يحاول كل طرف أن يثبت صحة معتنقه ويبرر لكل جرائمه وتجاوزاته اللاإنسانية في حق من صنع من أجسادهم جسراً يصل عن طريقه إلى ما يريد وأي مُلكٍ يبنى على جماجم البشر، سيفنى كما فنت قبل اليوم عروش أباطرة ظنوا أن لا خوف على عروشهم ولا هم يحزنون! ألا يحاول هؤلاء أن يزيلوا نظارات اللامبالاة بشعوبهم ويلتفتوا حولهم كم من العروش سقطت في ربيع واحد لن يتكرر بعد اليوم أبداً!.. لماذا يصر هؤلاء على الاستحواذ الكامل لخشبة المسرح؟! أليس هناك أدوار موزعة وفق سيناريوهات مكتوبة؟! وكيف وصل هؤلاء إلى لعب دور البطولة لولا وجود الشعب الكومبارس خلف كواليس سياسية غير عادلة؟!.
في الحقيقة لم تعد سياسة القطيع مجدية بعد أن أصبحت الذئاب ترمى مع الحملان على تل واحد وتنام معها في حضيرة واحدة! والأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل إن (سلطة) سياسية (بفتح السين واللام والطاء) تكاد نشتم عفونتها عن بعد، هي من سمحت وأودت بحياة البعض لأنها تفاعلت إلى حد الغليان بعد أن تلوثت برشة القبلية التي حسمت الأمر على أساس دموي وتمترست خلف تلال وهضاب ومآذن وقباب جاثية على بساط الوكالة الشعبية التي تجاهلت وجود الأغلبية ضمن إطار الثورة وإن لم تفصح بذلك!.
اليوم ينعطف قطار الوطن بعرباته السياسية والاجتماعية والقبلية والحزبية والثورية وما دون ذلك أو أعلاه وبكل قوة يمتلكها، والخوف يمكن في أن لا يجد هذا القطار السريع محطته القادمة بعد أن فقد الإحساس ببعد المسافات وتعدد المحطات وضرورة التوقف للتزود بالوقود!
البعض قد يصل لكن ليس الجميع، الذين وضعوا نصب أعينهم وطناً، هم الذين سيصلون سواءً وصلوا يحملون رؤوسهم على أكتافهم أو تحملهم أكتاف الغير!
لكن وحتى تحين تلك اللحظة أين سيصبح الوطن؟ وفي أي محطة سيتوقف؟! وهل ستبقى جميع عربات القطار ملتحمة؟! أم أن انعطافاً قوياً قد يفقدنا بعض العربات؟! وإن حدث ذلك فعلاً فأين وما هو البديل الذي ننشده؟! هل سنستبدل عربة الديمقراطية بالحكم الإسلامي؟! الملكي؟! الإمامي؟!....، وهل ستبقى القبيلة يداً يمنى للنظام أو الحكم الجديد؟! وهل ستكون الأحزاب هي الراعي الرسمي لمبادرة السلطة؟!.
ألطاف الأهدل
هل فاتنا قطار الوطن؟! 2281