المال والسلطة زوجان حميمان لا يمكن أن تفصل بينهما كلمات، يعلب كلٌ منهما على حلبة منفصلة لكنهما يلتقيان في نهاية كل مباراة كرابحين متنافسين على كأس بطولة واحدة! هذا الكأس هو العدالة الاجتماعية المنعدمة في ظل هذا الزواج العُرفي بين نقيضين، في لغة الديموقراطية العربية لابد من استمرار هذا الزواج مهما كان الثمن، لكن في نفس النظام على أيدي أوروبية أو أميركية يحدث الطلاق بين المال والسلطة منذ أول ليلة يتقلد فيها الرؤساء مناصبهم، كل الشعوب الأوروبية تذوق حلاوة ثرواتها وتتقلب على نعيم اقتصادها المزدهر غير آبهةٍ بمن يأتي ومن يذهب من رموز الأنظمة التي تكتفي عادة بفترة رئاسية محددة تبدأ بخطاب اقتصادي متزن وتنتهي بآخر أكثر إتزاناً وجرأة وحرصاً على مصلحة الوطن، لمذا تتخلف الخطابات الاقتصادية إلى لحظة الصفر، لحظة التقهقر، لحظة الترجل عن حصان الحكم أو حتى حمار الشيخ/ الذي لم يقف في العقبة وحسب بل سقط سقوطاً مدوياً أسفر عن ثورة ما لها من محيص؟! المال رأس الفجور والطغيان والسلطة صولجان أبطش والبهتان وحين يجتمع هذا وذلك على عرشٍ عظيم وحاشية متعاظمة وشعب أخرق يخاف ظلال الليل، يحدث ما حدث اليوم في بلدان العالم العربي صمتٌ وصل حد الصدى فتشظى في أرجاء الأوطان ليتناثر بشراً وزرافات رؤى تكسر صرحة الباطل وتشتغل لتبقى، كل يوم يمر على ثورة لم تشتهي النار ولم تحلم بجمع الرماد هو من أيام الجوع وساعات الجراح، يوم تسير عقارب ساعاته واقفة لا يمنعها من النوم أن لا أرض لها ولا وطن إنما لأن عين النهار التي تحرس الطيبين أبت أن تنام! سلطة المال تزلزل القيم وتهدم أركانها الشامخة لأنها سُلطة يمكن أن تشتري كل شيء مقابل أن تبقى جذورها صامدة تحت أرض كل ما عليها يهتز ويقع ويموت ويتلاشي، وسلطة الحكم تغري أصحابها بالعظمة والقدرة على امتلاك النواصي واستباحة العيش في زوايا الأرواح وكان تلك الأنفس التي تزهق عنوة تزيد أعمارهم طولاً وأطماعهم عرضاً! لكن من يحبس أنفاس السحاب، أو يداوي أنين الريح، أو يسكت صهيل العاصفة؟! لا أحد على الأرض يستطيع، ومن يستطيع فقط هو الله الذي قال لهذه الأزمة كوني فكانت، في بلداننا العربية كلنا يجيد الرفض والمكاء والتصدية حول النار لكن مامنا من يجيد إخماد النيران ومقارعة الشيطان إذ كيف يجرؤ هذا أو ذاك، هذه أو تلك على تصوير الحقيقة في عين الباطل؟!.
كيف يمكن أن يصرخ من تربى على الصمت وتأصلت في داخله خصلة الخرس؟! كيف يمكن أن يشعر بالكرامة من تعود أن يصُفع على خدّيه فيطأطئ جمجمته؟! في بلادنا العربية تحدث حفلات إشهار هذا الزواج الفاشل كل يوم، وغوت كل يوم، وننادي بإحراق الذاكرة كل يوم!.
لم يعد يجدي نفقاً أن نعلق أحلامنا على حبل المناجاة ونتلاشى كوميض الطفولة في أحشاء الذاكرة، أصبح الإعلانُ واجباً عن ميلاد شمعةٍ لمتعرف النور، لكنها أبت أن تشتعل في الظلام، إذ لا يستطيع أن يعيد العدالة الاجتماعية إلى وعيها إلا حدث يستحق أن يكون عاصفة.. الأوطان لا تموت دعوها تشبّ وتكبر.. دعوها فإن الثمار لا يمكن أن تتدلى دون أن تكون الأشجارُ سامقة..
ألطاف الأهدل
في زواج المال والسلطة! 1992