سؤال يطرح نفسه اليوم في ظل الأحداث الثورية التي تشهدها اليمن خاصة وبعض أقطار الوطن العربي عامة "لماذا الثورة؟" بالرغم أن كثيراً من الأقطار العربية لها يوم في السنة تحتفل فيه بقيام ثورتها التي كانت ضد الغاصب الأجنبي لها، ونحن في اليمن لنا ثورتان (26 سبتمبر ضد الحكم الامامي في الشمال، و14 أكتوبر ضد المغتصب البريطاني للجنوب اليمني )، وبين تلك الثورات وما هو قائم اليوم من هيجان ثوري وسط الشارع العربي يطرح السؤال أيضاً، هل لهذه الثورة اليوم ما يبررها أم أنها جاءت هكذا وفق أهواء وأمزجة تريد أن تعرف وتشتهر على حساب أرواح ودماء البسطاء ؟؟
لكن دعونا نعود بكم إلى بداية الفتيل الذي أشعله ذلكم المواطن العربي في تونس الشقيقة " محمد البوعزيزي" وهو مواطن عادي يعمل بائعاً على بسطة أو "جاري" تعرض لإهانة متعمدة من قبل شرطية تونسية عندما صفعته وتهجمت عليه، ولأن الكيل كان قد طفح بالمواطن التونسي، فكان الشارع ينتظر من يبدأ إطلاق الشرارة ضد الظلم الذي يعانيه التونسيون من موظفي السلطة وبطش المتنفذين في الدولة، فأشعل البوعزيزي في جسده النار، فكانت النار التي لم تنطفئ حتى الآن في نفوس الملايين من العرب في مصر، وسوريا، وليبيا، واليمن. الثورة لا تفجر من ترف أو من بذخ أو من حب الشهرة كما يتصورها البعض، الثورة مبعثها، ومنطلقها، ومشعلها قهر، وظلم، وحرمان، وفساد. البوعزيزي ذهب إلى ربه، وهو لايدري انه قد حرك المارد في نفوس ملايين العرب المغلوب على أمرهم في أوطانهم، بعث الحياة في القلوب بموته فأرسى أسساً ثورية جديدة، ووضع خارطة طريق لاقتلاع أنظمة عربية عشعشت فوق الكراسي تهبر وتنهب، وتقتل، وتسحل باسم الكرسي، والحفاظ على السلطان، البوعزيزي اليوم ليس فرداً يذكره التوانسة، اليوم ولدت ملايين النسخ من "البوعزيزي" في العالم العربي، ومازال الرقم مرشحاً لمزيد من الثورات في كثير من الدول العربية مالم يتدارك الحكام المواقف ويعيدوا النظر في سياساتهم مع شعوبهم وينظرون إلى شعوبهم على أنهم مواطنون بينهم وبين من يحكمهم عقد يقوم الحاكم بخدمة الشعب والحفاظ على مقدراته ومكتسباته لا أن يكون المواطن عبد وخادم للحاكم يتصدق عليه من خير وطنه ويلهف الكثير، بوعزيزي تونس اليوم يفترض أن يخلد اسمه كل عربي في بيته وان تخلده الشعوب بإطلاق اسمه على مدارسها وشوارعها لأنه كان البذرة الأولى للثورات في القرن الـ21 التي من المفترض أن تحول إلى منهج تعليمي يتعلمه الأجيال.
طيب ياناس يا من تتهمون الثوار في اليمن أنهم فوضويون وغوغائيون ومخربون و..و.. الخ مما في قاموس التهم والتلفيقات والشتم تعالوا نناقش الموضوع هذا بروية وبهدوء ودون تعصب للون أو شخص أو حزب – صحيح- إن علي عبد الله صالح مواطن يمني اعتلى عرش الحكم بطريقته وبكيفية ما كانت الطريقة لا يهم المهم ماذا جرى خلال حكمه لليمن 33 سنة، صحيح له إيجابيات وأبرزها المساهمة في توحيد اليمن مع كافة الفرقاء السياسيين بالساحة وليس لوحده بل حتى المواطن الذي فرح وأدمعت عينيه فرحاً، وصفق، وهلل، وكبر فرحا بالوحدة هو شريك في تحقيق الوحدة، لكن هناك مسببات للثورة وهناك دوافع هيجت الشارع اليمني ضد حاكم أدار البلاد وحكمها 33 سنة، تعالوا نسأل أنفسنا بعد مرور 49 سنة على ثورة سبتمبر 1962م ترى لماذا تبرز ثورة 2011م ؟؟ فلو كان الحال وردي، والنعيم مخيم والرخاء باسط جناحيه على كل فرد في هذا الوطن العريض.. هل هناك داعي للثورة التي تشهدها اليمن اليوم ؟
حتى نكون واقعيين، وحتى يعرف الكل أن من يطالبون برحيل النظام ومحاسبته ومحاكمته وإسقاط كافة أفراد عائلته هم انطلقوا من مسلمات ملموسة في الواقع ومسببات للثورة يعيشها المواطن اليمني منذ سنوات، ولأنه كان اعجز من أن يحقق للمواطن الكثير من الذي كان يطمح إليه فقد كانت الثورة، والآن تعالوا نسرد مسببا ت الثورة في اليمن والتي قامت للأسباب التالية :
قضاء غير منصف، وقضاة يبيعون أحكاماً بعرض من الدنيا، فيهدرون حقوق الضعفاء ولا يخشون عقاب الرحمن وتوعد الرسول للظالمين وقوله "الظلم ظلمات يوم القيامة"، و" قاضيان في النار وقاض في الجنة" فضاعت حقوق الناس الضعفاء من لا ظهر لهم ولا سند.
القانون والتشريعات تنفذ على من لا حول له ولا قوة، ولا تطبق بسواسية وعدالة بين الناس، فالتمييز بين هذا فقير وهذا غني، وهذا رفيع وهذا وضيع شعار تطبيق القوانين في المجتمع.
حقوق الموظف تضيع بين الطلعة والنزلة من والى الإدارات والجهات المعنية فيدوخ السبع دوخات لما يضيف لراتبه مبلغ زهيد خسر من أجل ضمه لكشف راتبه عشرات الآلاف، فيتعرض للبهذلة والإرهاق وقد يموت من قبل أن يجد نتيجة جهده ومتابعته.
غياب الإخلاص وانعدام الحب والولاء للوطن من قبل المسؤولين والموظفين في المؤسسات والمرافق الحكومية فطغت شعار هات "حق القات" و"حق بن هادي" وصارت قضايا المواطنين وانجازها مرهونة بمدى تطبيق الشعارين المذكورين.
انعدام تطبيق مبدأ الثواب والعقاب بين كل المواطنين دون تمييز، ومحاسبة الفاسدين ومحاكمتهم ومعاقبة من ثبت فساده ونهبه للمال العام أو ابتزاز المواطنين، برغم وجود الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد إلا أن هناك من أراد أن يعطل دورها ويمنعها من ممارسة صلاحياتها في إحالة الفاسدين للقضاء ومحاكمتهم، ولذلك فقضايا كثيرة لديها لكنها شبه مجمدة.
·كثرة الوعود من المسؤولين في إقامة مشاريع وتشييد منجزات لكن سرعان ما يتكشف للمواطن أن كل تلك وعود سرابية تذهب أدراج الرياح وتصبح هلامية لأنها صدرت من مسؤول يعجز عن إلزام عسكري أو فراش في مرفقه من تنفيذ تعليماته.
انعدام عدالة توزيع الدرجات الوظيفية بين خريجي الجامعات والكليات والمعاهد وبيعها في السوق السوداء وتوزيعها بين المسؤولين في المحافظات والمشائخ والوجهاء المقربين من النظام، فتدفن الكفاءات والمتفوقين بسبب عدم مقدرتهم على شراء تلك الوظائف من مصاصي حقوق الآخرين.
انعدام عدالة توزيع المنح الدراسية للمتفوقين والمتفوقات من الطلاب والطالبات، وبيع المنح لمن يدفع أكثر أو تصريفها لأبناء المشائخ والمسؤولين الذين لا يرقبون في مستحق إلاً ولا ذمة.
تعرض سائقي المركبات وغيرها لابتزاز رجل المرور وتعنته لمن لايلبي طلبه بدفع حقه بدلاً من ترحيله إلى حوش المرور.
ابتزاز الباعة المتجولين والمفرشين وأصحاب البسطات من قبل متنفذي المجالس المحلية ومتعهدي الأسواق وإجبارهم على الدفع كما يريدون وليس وفق القانون.
مضايقة أصحاب المحلات والمتاجر والفنادق والجامعات والمعاهد والمدارس الأهلية والخاصة من قبل جهات تداخل اختصاصها مع اختصاص جهات أخرى وتكليفهم بسداد ضرائب ورسوم..والخ فوق طاقتهم وخارجة عن القانون.
تنفير المستثمرين من العودة لليمن لتشغيل أموالهم، وتركهم لمتوحشي الاستثمار ومتنفذين ومرتزقة ليقاسموهم أموالهم وإلا لا مشروع ينجز ولا استثمار يتحقق في البلد، وهناك من القصص الكثيرة في ذلك.
عدم منح العسكري العادي في الوحدات المختلفة راتباً يعيش به دون تكفف الناس والبحث عن مصادر أخرى.
تقديم الخدمة الصحية والتعليمية بمقابل وانعدام مجانية التعليم والصحة.
عدم حماية المستأجر من مضايقة بعض المؤجرين وفرض الإيجارات التي يريدونها دون مراعاة لوضع المستأجر وطبيعة العقار.
رداءة الخدمات في الكهرباء، والطرقات، والمياه والصرف الصحي.
ارتفاع تكلفة الانترنت في اليمن على المستخدم المحلي مقارنة بكلفة الخدمة عالمياً.
احتكار كثير من الخدمات في يد الدولة وخاصة الإعلام بكافة أشكاله وعدم ترك المواطن يتملك قنوات وصحف ومواقع دون عرقلته بقيود وقوانين ظالمة.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية وانعدام الرقابة والمحاسبة، ورفع الدعم عن كثير من المواد الضرورية.
كثير من المسببات التي لو استمريتُ بتفصيلها لما انتهيت، لكن أظن أن الثورة اليمنية اليوم قامت لتصحيح كل تلك الاختلالات وإنصاف المواطن من الظلم الذي وقع عليه 33 سنة، فمن يقول إن الثورة إهدار للوقت والحقوق وتعطيل مصالح فقد جانب الصواب، فلو كانت تلك المسببات غير موجودة، ومتوفر ماهو نقيضها لما كان المواطن حرك ساكناً، ومادام سبل الحياة الكريمة توفرت والأمن مستتب بحق وحقيقة، وحريته وكرامته مصانة فما حاجته للثورة؟
فبعد كل ذلك لن يكون لمن يتهم الثوار بتهم باطلة إلا أن يلف للخلف دور ويتجه لأقرب ساحة تغيير أو حرية وينضم للثوار ويرفع صوته الشعب يريد إسقاط النظام – الشعب يريد محاكمة النظام – الشعب يريد محاكمة بقايا النظام – الشعب يريد بناء يمن جديد..
alhadi68@gmail.com
عبدالهادي ناجي علي
لماذا الثورة ....... 2243