مصيبة هذا البلد كما غيره من البلدان العربية أن المنافقين والمتسلقين والوصوليين هم وحدهم من يحيطون بالنخب الحاكمة، يصورون لهم الأمور على غير حقيقتها، يقلبون لهم الحقائق، وترتكس على أيديهم القيم، ويقتاتون على جراحات الناس.. يستثمرون آلام ومآسي الآخرين بلا وازع من دين أو تأنيب من ضمير، لأن هذه الفئة من الناس ماتت ضمائرهم وتعفنت في أجسادهم فتعودوا على رائحة العفونة فأكلوا أموال الناس بالباطل وعاشوا على السحت، ونبتت أجسادهم من الحرام، وكانوا سبباً رئيساً في تضليل الحكام ودفعهم إلى ارتكاب المظالم والمنكرات في حق الشعوب..
هذه الأصناف "النكرة" أصبحت في هذا الزمان الرمادي هي "المعرفة" وأصحابها هم الوجاهات والشيوخ ورؤوس القوم لأن الواقع مهيئاً لمثل هذه الطفيليات فباضوا وأفرخوا فيه، والنتيجة مزيد من المظالم وكثير من المآسي والويلات تتجرعها الشعوب على أيدي حكامها الذين ركنوا إلى هؤلاء المنافقين وجعلوهم بطانة لهم فساقوهم إلى المهالك وهم لا يشعرون.
وما نراه اليوم من ثورات الربيع العربي غير المسبوقة عالمياً إلا إفرازات ونتائج لهذا الواقع الذي فرضه الحكام الظلمة وأعانهم عليه بطانة السوء من المنافقين الذين يزينون سوء أعمالهم ومن هؤلاء الأصناف
على الملأ سوأته في أحداث محافظة أبين، حين سلمها أزلام النظام للقاعدة "المفترضة" وشردوا أهلها في الآفاق وحولوهم إلى فقراء يتكففون المنظمات الإنسانية والمحسنين، ومن هذه الحقائق ظهور مجموعة محدودة من المنافقين وآكلي المال الحرام وهم يلتفون حول وزير الدفاع في عدن ويوهمونه كذباً بتجميع شباب القبائل وتجييشهم لتطهير محافظة أبين من المسلحين وما عليه إلا أن يدفع لهم ثمن ذلك من أموال الشعب المطحون بكلكل حكامه، فلبى الوزير طلبهم ودفع بسخاء من خزينة الدولة عشرات الملايين وبعض الأسلحة الخفيفة لمشائخ وهميين ووجهاء لصوص وزعماء منظمات مجتمع مدني تمرغوا في الفساد.. وكانت النتيجة صفراً في الواقع، فأكل هؤلاء المال الحرام باسم النازحين وهم جزء رئيسي في نزوحهم ونهبوا المال والسلاح باسم تطهير أبين من المسلحين.. وأودعوه منازلهم وتركوا المهمة للوحدات العسكرية التي دفعت من خيرة منتسبيها شهداء في سبيل تحرير أبين الذي طال انتظاره وغيرهم يستثمرون جراحاتهم ومآسي الأهالي ببرود أعصاب غير مسبوق... فهل كان الوزير تلقائياً إلى هذه الدرجة؟ أم مشاركاً في اللعبة؟ أم مغلوباً على أمره؟ أم أن "المخرج عايز كذه"؟!.