بعد أن تبين للناس خطأ مقولة أحمد أبو الغيط (وزير خارجية مبارك إن كنتم نسيتموه) من أن مصر ليست تونس، ثم تكذيب الواقع لتأكيدات سيف الإسلام نجل العقيد/ معمر القذافي أن ليبيا ليست تونس ولا مصر، من لا يزال يعتقد الآن أن بإمكان نظام الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، أو أي نظام آخر يواجه شعبه بالقتل، أن يصمد ويعود مستقبلاً إلى ممارسة الحكم في حالته العادية؟، لا أعتقد أن عاقلاً واحداً يفكر في أن هذا الأمر يمكن أن يحدث لا في اليمن ولا في سورية ولا في الأنظمة الباغية الباقية.
قد لا نلوم الرئيس اليمني الذي لا يزال يماطل ويبحث عن نفق يعود عبره إلى قصره الرئاسي في صنعاء، كما لا يهمنا توجيه اللوم للعقيد نجل العقيد الذي لا يزال مصرّا على رفض رغبة الشعب اليمني في تنحية والده وكنس نظامه، بل لعله لا يزال يحلم أن بإمكانه أن يحقق حلم والده في توريثه عرش اليمن لعقود أخرى، ليس علينا أن نخاطب هذين الرجلين ولا حتى الذين يتشبثون بتلابيبهم لا لشيء إلا لأنهم مستفيدون من ريع النظام الحاكم الفاسد، فهؤلاء لا يمكنهم أن يغادروا الحكم ويستوعبوا أن هناك في هذه الحياة إمكانية لأن يكون هناك في اليمن رئيس غير هذا الرئيس ونظام غير الذي يحكم البلد منذ أزيد من ثلاثين سنة.
من نعاتب إذن؟ الشعب اليمني أم المعارضة؟ لا هذا ولا تلك، لأن الذي نريد أن نتوجه إليه هو من خارج اليمن وليس الجامعة العربية ولا الأمم المتحدة ولا أميركا.
تابعت اللقاء الذي جرى قبل يومين في الرياض بين العاهل السعودي الملك/ عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس اليمني/ علي عبدالله صالح واندهشت وأنا أسمع المذيع يتلو بيان القصر ويقول فيه إن (خادم الحرمين الشريفين أعرب عن شكره وتقديره للرئيس اليمني على مشاعره الطيبة)، ثم دعا لضيفه (أن يوفِّقه وجميع الإخوة في اليمن إلى تجاوز الأزمة الراهنة)، عجبي من هذا الاستقبال وهذا الكلام اللطيف لم يكن فقط لأنه جرى في يوم كانت أظافر الرئيس صالح تنغرز في أجساد اليمنيين وترديهم قتلى أو جرحى، هناك غير بعيد عن الأراضي السعودية، بل أيضاً، لأن أقل شيء كان الرأي العام يتوقعه هو أن يسمع الرئيس اليمني المغضوب عليه من قبل شعبه من الملك كلاماً يرضي رب الحرمين الشريفين الذي أمر المؤمنين أن يتواصوا بالحق.
لاقت الكلمة التي وجهها العاهل السعودي قبل أسابيع إلى الرئيس السوري بشار الأسد استحساناً كبيراً ووجدها كثيرون رسالة حاسمة حازمة من قائد بلد ثقيل في كفة العالم العربي والإسلامي إلى قائد بلد يعبث بشعبه ترهيباً وتقتيلاً، جاء في الكلمة الموجهة إلى الأسد أن كل عاقل عربي ومسلم أو غيرهما يدرك أن الأحداث الدامية التي تعيشها سورية منذ ستة أشهر ليست من الدين، ولا من القيم والأخلاق، ثم يضيف الملك عبدالله قائلا (إنّ ما يحدث في سورية لا تقبل به المملكة العربية السعودية، فالحدث أكبر من أن تبرره الأسباب)، وبعد ذلك يتوجه إلى رأس النظام السوري مطالباً إياه (بإيقاف آلة القتل، وإراقة الدماء، وتحكيم العقل قبل فوات الأوان)، كلام لا اعتراض عليه من دون الدخول في تفاصيل تأخر موعد الجهر به، لن نصل إلى حد الإنكار على الملك أن يستقبل رئيساً يده ملطخة بدماء الأبرياء وطاغية فرض نفسه على شعبه بقوة النار والسلاح والتآمر، بل فقط نتساءل لماذا لم يسمعه جهراً كلاماً حازماً، حاسماً، يوضح له فيه أن المملكة غير راضية بالذي يجري في جارتها الصغرى اليمن؟ هل هناك فرق بين ما يجري في سورية وما يحدث في اليمن؟، هل دماء السوريين أطهر وأشد حرمة من دماء اليمنيين؟، لا يمكنني أن أجد تفسيراً آخر للمعاملة اللطيفة والاستقبال الملكي الذي حظي به الرئيس اليمني في قصر العاهل السعودي، غير الاشتباه في أن قيادة الشقيقة الكبرى لا يهمها أن يتحرر شعب اليمن من القبضة النارية لنظام الرئيس/ علي عبدالله صالح إن لم نقل إنها تحرص على عكس ذلك.
المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية واضحة والمملكة العربية السعودية تعتبر عضواً فاعلاً في هذه المنظمة الإقليمية وهي إلى الآن لا تزال بين يدي الرئيس صالح يتلاعب بها ويماطل في الالتزام بها، وهو ما يعني في لغة الدبلوماسية تجاهلها والاستهانة بأصحابها، وهنا أيضاً لا ننكر على النظام اليمني أن يقابل مبادرة مثل تلك بالرد الذي يرضيه ويحفظ له مصالحه، لكن المستغرب هو أن تفتح للرئيس المستهتر أبواب القصر ويسمع من مضيفه كلمات شكر وتقدير وإعجاب، لماذا يشكر رئيس مثل علي عبدالله صالح؟ على استباحته دماء الأبرياء وتقتيل شعبه وحكمه بالإكراه وتعطيل البلد ودفعه نحو مزيد من البؤس والهلاك الاقتصادي والاجتماعي؟ يشكر الإنسان على شيء حسن فعله، ونحن بودّنا أن نعرف ماذا قدم صالح من عمل حسن ولمن قدمه؟ اليمنيون يموتون وآلة القتل ازدادت ضراوة ووحشية في اليومين الأخيرين والشعب اليمني يعلم علم اليقين أن بإمكان القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية أن تتحرك وتحسم الأمر بما يحقن دماء اليمنيين ويرفع عنهم الظلم والطغيان، فهي الجارة الكبرى ولها من قوة المال والحجة والتأثير ما يؤهلها للعب دور حاسم في الأزمة اليمنية، إضافة إلى أنها تؤوي حالياً الرئيس المجروح، وهناك لغة أخرى غير لغة الإقناع في عالم العلاقات الدولية والعبرة تكون دوما بالنتيجة، الأهم في الظرف اليمني الراهن هو أن تتوقف الفوضى وترتد يد الظلم والقتل ويستعيد الشعب اليمني أمنه ويبدأ في شق طريقه في الحياة بكل سيادة وحرية وكرامة، فهل في هذا ما يزعج السعودية؟.
ثوار اليمن ماضون في صناعة حاضرهم ومستقبلهم ولن تتوقف المسيرة إلا عند المحطة التي يبغونها هم لأنفسهم ولبلدهم، عجلة التاريخ العربي الحديث تحركت وحاول كثيرون كبح جماحها أو تغيير مسارها، لكن الكلمة الأخيرة كانت في النهاية للشعب في تونس وفي مصر وفي ليبيا ولن تشذ سورية ولا اليمن ولا بلدان الظلم والطغيان والفساد الأخرى عن القاعدة، والأحسن هو أن يساهم المرء في مرافقة القطار ليصل بأمان وبأخف الأضرار أو ليتركه يتحرك وحده ولا يعين في وضع الحواجز أمامه وذلك أضعف الإيمان.
× نقلاً عن القدس العربي
خضير بوقايلة
هل للسعودية مصلحة في إفشال الثورة اليمنية؟ 2663