زين الهاربين في ليلة وضحاها
هكذا انتهى الحال بأجمل الهاربين زين العابدين بن علي والذي سَلِمَ شعبه الدخول في معمعات التخمينات والتنبؤات والبحث عن التدخل الأجنبي وأين سيجد المواطن معارضة في الطرف الآخر، تستطيع أن تعمل من أجل الوطن، لأنه لم يكن هناك معارضة بقدر تلك الموجودة في وطننا والتي أثبتت إمكانيتها في الجلوس على طاولات الحوار والولائم في كثير من الأحيان وفشلت في أحيان أخرى في إمكانية التعامل مع متطلبات الوضع القائم، والبحث عن بديل لنظام يستطيع أن يرسم للشعب ملامح المستقبل، ويبدو أن الهروب سيكون هو الحل الأمثل لكثير من المعارضة قبل أن يفكر بقايا النظام البائد بسبب الأقنعة الزائفة التي أصبحت ملاذ الكثير من الساسة في شتى الأوطان هذه الأيام ، فكان هروب بن علي هو أجمل هروب سيسجل في تأريخ أمجاد حكّامنا الأشاوس هذه الأيام.
مبارك من خلف القضبان:
بوجه شاحب وملامح يبدو عليها آثار قدرة الله العزيز الجبّار ، لم يستطع حتى الجلوس لأن حالته الصحية لم تسمح له الوقوف ولا الجلوس ولا حتى الهرب أيضاً بسبب حاجته إلى فريق طبي متكامل من أجل رعايته وحاجته الماسة لوقوف نجليه أمامه لكي تحجب صورته أمام عدسات المصّورين ، وبدون نسيان المصحف الذي كان نجلاه يحتضنانه وليتهم عرفوا منذ زمن أن فيه الملاذ، لأنه كلام من يُجيب المضطر إذا دعاه ، وفيه دستور كامل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
مبارك اليوم يتمنى الهروب كما الحال في أركان حزبه الذي أكل الأخضر واليابس في أم الدنيا، كان لديه بعض بلاطجته المتبقيين في أولى أيام جلسات المحاكمة والذين رفعوا لافتات أمام المحكمة تروي آخر فصول مهازل الأنظمة العربية الهاربة إلى هاوية العاقبة المنتظرة عاجلاً أم آجلاً، وتناقصت أعدادهم لتصل قبل آخر جلسة محاكمة قبل أيام إلى صفر وكأن المحبين من بين خمسة وثمانين مليون مواطن مصري، انتهوا في غمضة عين، فهل يقتنع هؤلاء الواهمون أن أمجادهم وإنجازاتهم لم تكن سوى وهماً.
لن تجدوني حتى وإن عثرتم عليَّ:
هكذا قد يبدو لي حديث الهارب الأبرز والمختفي الأشهر صاحب أغنية زنقة زنقة دار دار ، قبل أن يحل عيد الفطر كان القذافي يبحث عن ملاذ يحفظ له ما تبقى من أيام عمره التي كتبها الله تعالى، وهو صاحب الخطابات الأشهر وعميد الحمقى في زمن استطاع فيه الحمقى أن يكونوا هم أصحاب الكلمة العليا، ليس بمقدار ما استطاعوا أن يجيدوه من الزيف والخداع والمكر بشعوبهم بقدر مادعتهم الحاجة إلى الكثير من الحديث في كل شاردة وواردة ، هكذا عاش متناقضاً حتى مع عقله، هذا إن كان له عقل ولو ‘نني لم أيقن أبداً أن مثل القذافي له عقل يفكر به ، بين الهروب من مدينة إلى أخرى يبدو أن مسألة البحث عنه ستطال زنقة زنقة، دار دار حتى يصبح العثور عليه من ضروب المستحيل وسنعتبره انجازاً من انجازات صاحب النهر العظيم الذي لم ينقل قطرة ماء وصاحب أجمل عيون - حسب ما ورد على لسان إحدى المجلات الأوروبية، وتوقعوا أن تسمعوا قريباًَ تصريحاً بصوته حتى بصوت يشبه صوته ‘‘لن تجدوني حتى وإن عثرتم علي‘‘.
الفرار يترقب بشار:
ما هي إلا أيام قليلة بإذن الله ويكشف الستار عن نهاية فصول بطل من ورق آخر، استخدم كل ما يملك من قوة ضد شعبه في مرحلة كفاحه الوطني من أجل البقاء على الكرسي ، ولعل الشعب السوري العظيم أثبت أنه فوق كل التوقعات بسلميته وبوحدة كلمته وفكره الواعي ، صحيح أن الفرق بين اليمن وسوريا ليس بكبير من ناحية الموارد والمستوى المعيشي، ولكن صدقوني هو كبير وكبير جداً في مستوى الوعي عند المواطن، ومهما كانت القوات الموالية والتابعة لكرسي بشار الأسد -الرئيس ابن الرئيس- في عهد الحاضر الديمقراطي هي الوسيلة الرسمية والأداة الظاهرة في قتل الشعب، إلا أنه لم يترك الاستفادة ممن سبقوه في استخدام الشبِّيحة من أجل أن يتشاركوا دماء الشعب السوري الطاهر ، وحتماً سينتهي به المطاف إما في إحدى بيوت خادم الحرمين بهبة ملكية كمكافأة لنهاية الخدمة أو إحدى زنقات معمر القذافي أو في إحدى زنزانات مبارك أو لربما يكون في إحدى المستشفيات التي يصورها الإعلام الرسمي الزائف على أنه جناح ملكي في حضرة الملك.
ليتهم هربوا كسابقيهم:
يقال إن الهارب رجل تفوق سرعة رجليه سرعة تفكيره ، وهذا ما كان يقال قديماً، ولكن الآن أصبح العكس تماماً هو ما ينطبق على بعض الزعامات العربية الزائلة لا محالة، فهم يتركون العقل الشيطاني يفكر بكل الوسائل المشروعة والغير مشروعة من أجل تدمير ما بناه الشعب وملكه الشعب ودفع فواتيره الشعب وتحمله الشعب ، وجاء هو في آخر فصول حكاية المهزلة الوطنية الكبرى ليحرق الأخضر واليابس ويترك الجميع في بحر التأويلات والتهويلات والتخمينات والتحذيرات والخطط الجهنمية والفكر البائس الذي يبحث عن يوم عيد يعيش فيه على ما يسد رمق الجوع ولو بفتات ما تركه الأغنياء، ليس على موائد الطعام وإنما على براميل القمامة وتسابق عليها الفقراء وكلاب الشوارع من أجل غريزة البقاء وقالوا احمدوا الله أنتم في نعمة، وبالتأكيد نحمد الله لأننا في نقمة وفي ابتلاء، نسأل الله العزيز الجبار أن يكتب الخير للعباد والبلاد وأن يخسف بمن أراد لها الخراب والفساد إنه سميع عليم.
مرسى القلم :
من مذكرات مصري: "كل شعوب العالم تعرف ماذا ستفعل في المستقبل، إلا الشعب المصري فإنه لا يعلم ماذا يحدث الآن".
مذكرات يمني: "إذا كان علم الشعوب المتخلفة يقتصر على عدم معرفة ماذا يجرى الآن، فهل يوجد مواطن يمني يستطيع أن يتحدث عن شيء وقع في الماضي القريب ولم تختلف فيه الروايات أو لم تتعدد وكلها زائفة؟!".
a.mo.h@hotmail.com
على محمد الحزمي
الهاربون إلى.. اللاّ مَفَرْ 2387