وضعوه في حجر وقالوا: لا تسلّم.. ورموه في بئر وقالوا: لا تسلّم.. وحاصروه بكل ما استطاعوا وقالوا: لا تسلّم، وحين قهرهم وانتصر، عزّ عليهم أن يهنأ بفرحة انتصاره، فاختطفوا البسمة من على شفاهه وتبجحوا بأنهم صناع النصر وأربابه ولمَ لا؟ فكل من يدعي أو أدعى النصر زيفاً هو المهزوم في نفسه بلا شك، هو المهزوم الحقيقي في ذاته، لأن خططه أحبطت، ومؤامراته كشفت للناظرين.
ادّعوا النصر وهم يعلمون تمام العلم أنهم من ذلَّّل للموت كل الصعاب، بغية إفناء ذلك اللواء والخلاص من قيادته التي عرت بصمودها ما تكشّف من سوءاتهم ومساوئهم، لا أعتقد أن أحداً استغرب من هذا الزعم المفضوح –للنظام وقياداته العسكرية الجنوبية بالأخص وإعلامه الرسمي- ولا أظن أحداً تفاجأ بهذا السلوك الدال على انفصام أخلاقي وقيمي مشين، لم نتفاجأ من استراقهم النصر وإدعائهم له، لأن عهد معرفتنا بهم قديم جداً، لأننا نعرفهم جيداً وربما أكثر من أنفسنا، نعرف أنهم ألوية في السطو، عمداء في الاستلاب والنهب، قيادات نجحت في اقتيادنا نحو الموت البطيء منذ زمن، بدلاً من أن تقينا مصارع الإذلال المعيشي والابتزاز الحياتي.
هؤلاء هم قتلة الأمل سفاحو القيم والثروات، وهم بذاتهم من يغتالون أحلامنا في الحياة، ثم يعلنون لها مراسم الحداد دون مجرد التساؤل بصمت: من فعل هذا؟ ولماذا؟ حتى الفضائية اليمنية التي استكثرت على أبين الذكر في شريط الأخبار، ظلت ولازالت تحتفل بالنصر وتدعيه وزادت أن استضافت شخصيات ظلت تنزع النصر ممن تشاء وتنسبه لمن تشاء، يا الله أي إسفاف هذا؟.
المهم أن الكل أدعى تحرير زنجبار أبين، وأبين لا تقر بذلك لأحد سوى اللواء "25" ميكا، ليس لأنه انتصر فحسب، بل لأن الانتصار الحقيقي تمثل في صموده الأسطوري أربعة أشهر والذي توج أخيراً بالنصر العظيم وتحرير زنجبار.
والحقيقة أن قطار النصر الذي تحقق في أبين –والذي يمثل العميد الركن/ الصوملي ربانه- لم يفت على كل من أراد الالتحاق بشرف النصر والتحرر من الوضاعة الأخلاقية والكف عن القول المنافي للأفعال والإدعاء المفضوح لكل ما ليسوا له بأهل، لا يزال في العمر بقية ومتسع لإخراس كل الأفواه، كما أن الفرصة لم تفت، فعلى قيادات المنطقة الجنوبية والحرس الجمهوري والأمن المركزي وكل من تشدق بالنصر وادعاه زيفاً وكذباً أن يحث الخطى ويسابق الزمن إلى هذه المدينة المنكوبة، خاصة وهي لم تتحرر بعد كاملة، كما أن المعركة الحقيقة ستكون في جعار –حسب تصريح العميد/ الصوملي- فمن أراد أن يغسل عن نفسه عار الإدعاء الكاذب، فعليه أن يثبت ذلك في جعار، لأنه بذلك سيثبت للكل بالأفعال لا بالأقوال، وحينئذ نحن من سنخلع عليه ألقاب البطولة والانتصار.
أنا شخصياً لا استبعد من كل من ادعوا النصر كذباً أن يوجهوا للعميد/ الصوملي تهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة واتهامه بالتعاون معها ومساعدتها، لأنهم أهل لمثل تلك الافتراءات ولديهم من النفوذ والمال ما يمكنهم من حياكة أدلة مصطنعة، لأنهم بذلك يشفوا غليل الهزيمة في نفوسهم منه حين حاصروه، فصمد وانتصر.
يمنون على أبين أنهم حرروها وهم من قدمها للمسلحين على طبق من ذهب وفي أبين من الجراح ما لا يجعلها تبدي اكتراثاً بذلك المن الحقير، لكن قسوة تلك الجراح لا تمنعها من الاعتراف بملء الفم أنها تدين للواء "25" ميكا بما هو أكثر من الحياة وأكبر.
لقد كشف تحرير زنجبار عن جلل المصاب وهول الكارثة ووحشة الخراب وفداحة الإجرام وحقارة التآمر، أبين فقدت القدرة على الكلام وصار الخراب الفظيع لسانها الناطق، كل شيء فيها يكشف عن مأساة حاضرة، مدينة صارت في أقل من طرفة عين مدينة رعب وأشباح وكل هذا بوحي من الذي عنده علم من الكتاب.
إن قليلاً من الإنسانية يكفي لتأجيل الاحتفال بنصر مدعى وتوجيه الجهود للملمة الجراح وإعادة النازحين إلى مدينتهم وإشعارهم بالأمن من شرور تلك العصابات المسلحة، وإن قليلاً من الشعور بالمسؤولية يجعل إيواء أولئك المنكوبين ومساعدتهم أولوية أخلاقية، بدلاً من استفزاز المواطنين وإرعابهم في تعز وغيرها من المدن الآمنة، وإن قليلاً من الوعي يجعلنا كمواطنين نسأل قبل أن نفرح بتحرير زنجبار من ألقاها في ذلك الجحيم وحل عليها سيف الدمار والخراب؟! يجب أن ننصرف عن الإيمان الساذج بالنتائج دون معرفة الأسباب سواء في مأساة أبين أو حتى في تراجيديا وفانتازيا النهدين، إنني استغرب من صمتنا حيال ما جرى في النهدين وعدم التكلف حتى بالسؤال عن الجاني، هذا في وقت يمارس فيه الإعلام الرسمي كيل التهم للثوار وتحميلهم مسؤولية ما جرى في النهدين، ولأنه –أي الإعلام- مجرد من الحياء والأخلاق وأدنى ا لواجبات المهنية يغفل كون القضية رهن التحقيق على الأقل كمبرر معقول ومقبول دون الأحكام المسبقة الجائرة والتي تنقض لبطلانها باعتذار واطي غير مؤدب.
وبالعودة إلى أبين، فإنني أقول: إن اللواء "25" أبلى فيها بلاءً عظيماً وحقق نصراً لفت أنظار العالم إليه وأعاد جزءاً من الكرامة المهراقة لما يُسمى بالجيش اليمني، ولا أظن أن "الناتو" سيتوانى في إرسال فرق خاصة للتتلمذ والتدرب على أيدي أفراد وصف وضباط اللواء "25" ميكا، وعليه يجب أن يكافأ هذا اللواء قيادة وأفراداً، ابتداءً من اختيار اسم يليق به وليس انتهاءً من صرف مخصصات مالية عرفاناً بواجبهم وحافزاً لغيرهم من الأفراد في بقية الألوية.
هذا اللواء لم ينتظر منا الشكر على الواجب، لأنه يعرف تماماً أن لا شكر على واجب، لكنه قام بأكثر من الواجب وصنع النصر عليه، فإنه يستحق أكثر من النصر والمكافأة والشكر.
عبدالمعين المضرحي
زنجبار.. وقراصنة الانتصار 2081