رغم أنني لا أمضغ القات واعتبر نفسي عضواً في جمعية مكافحة القات، إلا أن القدر ساقني ذات يوم إلى الجلوس في مقيل "قات" في مدينة الشيخ عثمان بعدن، وكان أقطاب المقيل من مختلف مكونات أبين السياسية والقبلية، أخذ الحديث يتشعب ويأخذ مناحي شتى، لكننا أجمعنا "من يمضغ القات ومن لا يمضغه" على ضرورة وأهمية نبذ أسباب الفرقة والاختلاف الذي يحاول البعض زرعها بين أبناء أبين، مستغلاً الوضع السائد في المحافظة، حين بات مرتعاً خصباً لمن أرادوا الاصطياد في المياه التي عكرتها ميليشيات نظام علي صالح، حين تسلمت أبين من رموز النظام الفاسد لتمارس فيها لعبة الصفقات القذرة.
وقد كان النقاش حاداً أحياناً، حينما تطرق إلى غياب الدور القبلي حين سلمت السلطة المحافظة للمسلحين، وكان خط الالتقاء بين أقطاب المقيل هو أن ما يحصل في أبين يضر بالجميع بلا تمييز وأن على أبناء أبين الاصطفاف في وجه هذا العبث بمستقبل المحافظة، لكن كل جماعة يريدون تحديد آليات ذلك الاصطفاف من زاوية فهمهم وقناعاتهم التي قد لا تتفق مع قناعات الآخرين، وكأنهم يسيرون على نهج الأنظمة العربية حين "اتفقوا على أن لا يتفقوا"، بعض حاضري المجلس غلبتهم الحزبية، فكانوا مع فكرة إغلاق طريق عدن/أبين وحجتهم أنه لو فتح الطريق لاستطاع أفراد القاعدة تنفيذ عمليات انتحارية في عدن، ولما أوضحنا لهم أن إغلاق الطريق جاء بعد شهرين من الحرب وكان بإمكان القاعدة إيصال انتحاريها "المغفلين" إلى عدن خلال هذين الشهرين، لكن هذا ما لا تريده القاعدة لأنه "خارج النص"، فأثار ذلك حفيظتهم، باعتباري معارضاً ليس إلا، حينها تذكرت الشاعر العربي/ نزار قباني حين وصف أمثال هؤلاء بأنهم ضحايا النخب المثقفة، حين تتماهى مع الزعامات العربية، فتمارس التضليل على الناس، قال:
يمر الصباح ويأتي المساء
ونحن هنا نجلس القرفصاء
نلوك الشعارات للأغبياء
ونتركهم يعلكون الهواء
وهكذا هي الأنظمة العربية حين تجلس بأريحية على كراسي الحكم وتلوك للمغفلين الشعارات البراقة حين يبصقها لهم بعض النخب "المسخ"، فتضلل بها العامة لحب الأنظمة الديكتاتورية ويعطون لعقولهم إجازة مفتوحة، وهم يسيرون في ركب الظالمين، معتقدين أن لا بديل لتلك الزعامات وأنهم ولدوا خصيصاً لحكم الشعوب دون غيرهم، على طريقة "ما لها إلا علي"، وصدق الله العظيم القائل: "فاستخف قومه فأطاعوه".
منصور بلعيدي
في المقيّل ........... 2094