لا يزال النظام في اليمن يراهن على عامل الوقت للتهرب من استحقاق تنفيذ المبادرة الخليجية، التي منحت للجميع الفرصة لإعادة ترميم ما خربته الأزمة التي جاوزت الأشهر السبعة، وتقرب البلاد شيئاً فشيئاً إلى الحرب الأهلية التي تثير مخاوف أشقاء اليمن وأصدقائه أكثر من بعض أبنائه .
لقد اجتمع أركان الحكم في البلاد خلال الأيام الثلاثة الماضية لتدارس الكيفية لإيجاد آلية لتنفيذ المبادرة الخليجية، التي قدمت في شهر إبريل/نيسان الماضي، وتعامل معها النظام بعدم مسؤولية، سواء من خلال رفض الرئيس علي عبدالله صالح التوقيع عليها مرات عديدة أو من خلال تفسير بنودها بما يتواءم مع مكاسب يريد حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم والرئيس صالح الحصول عليها، حتى وإن كانت هذه المكاسب تضر بمصلحة اليمن .على النظام أن يدرك أن اللعب على وتر التأخير، طمعاً في كسب مزيد من الوقت، هو في حقيقة الأمر “لعب في الوقت الضائع”، فالأمور لم تعد تحتمل المزيد من اللعب في ملف خطر ومهم يتعلق بمستقبل اليمن وأمنه واستقراره ووحدته، فاليمن أكبر من الجميع، وعلى النظام والرئيس صالح وحزبه والمعارضة إدراك أن انزلاق البلد إلى مربع العنف، إذا قدر الله أن حدث، فلن يستطيع أحد السيطرة عليه، حتى وإن قدّم تنازلات، لأن الحديث بعدها سيكون للمدافع والرصاص أكثر من الحديث لصوت العقل .
لقد عقد الحزب الحاكم قبل يومين سلسلة من الاجتماعات كرست لمناقشة آلية تنفيذ المبادرة الخليجية، وتفاءل المراقبون، ومعهم اليمنيون خيراً، من أن يكون صوت العقل قد انتصر في النهاية، إلا أن نتائج الاجتماع جاءت مخيبة للآمال، فقد عاد أهل الحزب الحاكم ليفسروا "الماء بالماء"، بخاصة أن توصيات سرية أرفقت إلى جانب المواقف المعلنة، وجميعها، المعلنة والسرية على السواء، تضع المزيد من العراقيل أمام تنفيذ المبادرة ولا تعمل على حلها .
من هنا فإنه يجب على الحزب الحاكم، وعلى رأسهم الرئيس علي عبدالله صالح، الاتعاظ مما يدور حالياً في المنطقة العربية، والتأسي بتحذيرات المستشار السياسي للرئيس الدكتور عبدالكريم الإرياني من أن الفشل في معالجة الأزمة اليمنية على أرضية المبادرة الخليجية، سيؤدي بها إلى أروقة مجلس الأمن الدولي، وحينها سيفرض الخارج قراراته ورؤيته على الجميع.. لهذا فإن التنازل والمرونة اليوم يعودان بفوائد أفضل من التنازل غداً بخسائر مزلزلة على اليمن والمنطقة بأكملها .
لذلك فإن الاستماع إلى صوت العقل والاحتكام إلى مطالب الناس في التغيير الحقيقي وليس الشكلي، أهم من السلطة ومن الاحتكام إلى القوة للبقاء فيها لفترة، بالتأكيد لن تكون طويلة، فالناس الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير واضح أنهم لن يعودوا منها أبداً، والنظام المستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود يجب أن يدرك خطورة الوضع الذي يمر به اليمن اليوم . وإذا كان حريصاً على اليمن ووحدته، كما يقول ويصرح بذلك قادة الحزب الحاكم، فإن عليه أن يكون وفياً لما أعلنه أكثر من مرة بنيته التوقيع على المبادرة الخليجية، والوقت قد يفلت من يده ومن أيدي الجميع، وعندها لا ينتظرن أحد غير ما لا تحمد عقباه .
المحرر السياسي لصحفية الخليج الإماراتية
اليمن ولعبة استنفاد الوقت 1974