وجدته يضرب أخماساً وأسداساً، قال: أنا من أوائل النازحين إلى محافظة عدن وقد سجلت اسمي ضمن النازحين لدى الوحدة التنفيذية، لكنني اكتشفت أن اسمي سقط سهواً كما قالوا وطلعت أسماء آخرين ما كان ينبغي لها أن تدون في كشوفات النازحين لا أن تطلع قبل غيرها.
واسترسل الرجل قائلاً: تصوروا أن يطلع اسم مدير عام وأولاده وأقاربه ويستلموا المعونات وتسقط أسماء الفقراء والمحتاجين الذين لا حول لهم ولا قوة، أما أقارب أعضاء اللجان فحدث ولا حرج، فقد دخلت المجاملات والنفاق على الخط.
قال ذلك بمرارة وانصرف خائباً، مهزوماً نفسياً، واليأس والإحباط يكسوان محياه وهو يردد "حسبنا الله ونعم الوكيل".
ذلك المشهد التراجيدي يكشف مدى القهر الذي يتجرعه أبناء هذا الوطن في كل تفاصيل حياتهم عندما تولى أمرهم من لا أمانة لهم ولا ذمة، وصدق فينا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة".
ويعجب المرء من تصرفات البعض، فحتى ونحن في الشتات لا نريد أن نتعظ مما حدث لنا بسبب فقدان الأمانة التي تسرب إلى كثير من الناس في هذا الزمن الذي يقاس فيه المرء بما يملك من جاه وسلطان وليس بما يقدمه من فائدة للمجتمع، وتصبح الفهلوة والنصب والاحتيال سمات شطارة ورجولة عند البعض ويصبح فيه خلق العفة والأمانة من مخلفات الماضي وأصحابها سذج لا يجارون سرعة المتغيرات والضرورات المباحة "وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلاً".
وفي موقف كهذا، تذكرت قول الشاعر العربي الذي يصف فيها ما يعانيه الفقراء من ظلم اجتماعي لمجرد أنهم لا سند لهم كحالة "السهو" التي تعمدت هذا النازح واستثنت الأغنياء والمسؤولين.. ومنها قول الشاعر:

يمشي الفقير وكل شيء ضده
                       والناس تغلق دونه أبوابها
حتى الكلاب إذا رأت رجل الغنى
                       حنت إليه وحركت أذيالها
وإذا رأت يوماً فقيراً ماشياً
                     نبحت عليه وكشرت أنيابها
ويا ناس يا عالم اتقوا الله في ما ولاكم عليه، فإنكم بين يدي الله موقوفون، وعلى ما فرطتم محاسبون "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".. والله يجازي اللي كان السبب.