ما عمر الثورات العربية قد فشلت، ولم يسبق أبداً لأي ثورة أن اندلعت وثم توارت عن الأنظار، فزماننا هذا هو زمن الثورات، ولا تتوقف هذه الثورات إلا بنجاح كل ثورة، مهما ظلت الثورة بالاعتصام.. ومهما زيف الطغاة عبر وسائل إعلامهم المختلفة وتنكروا لها وسموها بعدة أسماء ولونوها بالكثير من الألوان القبيحة، فكل هذه لن تفلح.. ولن تشفع.. ولن تساعد على زيادة رصيدهم (الأيامى) ومدتهم في البقاء (متجرثمين) في مناصبهم يزرعون الشرور.. ويصدرون الأوامر القمُعية بان توجه لقمع شعوبهم مع ثورتهم، لكن هيهات ..هيهات كل هذه الأساليب زادت الثورات قوة .. ورسخواً..وعزيمة .. وصبراً ونضالاً؛ لأجل تحقيق الهدف المنشود...
نعم لقد بدأت الثورات العربية هكذا.. وهكذا استمرت.. ومشت.. وظلت.. وقامت ضد الطغاة الذين يظنون أنها مجرد أيام وسوف تنجلي عليهم هذه الأزمة التي سموها في اليمن.. فلم يزيدها إلا قوة وتأكيداً قوياً على الثورة بالصمود لاقتلاعهم مع كل من يعارضها، حتى ينعموا بحياة كريمة ودولة مدنية تلبي كل طموحاتهم، ونفس الحال ينطبق على سوريا، الشعب المضطهد المحروم من ابسط مقومات الإنسانية ألا وهي "الحرية"، ومع ذلك لم ينصت طاغيتهم ويرضخ لكل مطالبهم، بل تمادى هو الآخر وراح يفتك بشعبة ويسفك دمائهم واحداً تلو الآخر، ونفس الحال بمجنون ليبيا معمر القذافي والذي كان متحدياً بامتياز بأن يقتل شعبه.. يبيدهم.. يقطع رؤوسهم ولا يبقي منهم أحداً كما كان يزعم، وما هي إلا أيام تمر وتأتي ومعمر يضفر بخيبته والثوار يستمرون ويسيطرون على طرابلس، في وقت لم نسمع تصريحاً صريحاً أو (متخبطاً) أو حتى بنبره تحدي من المعمر الذي أتحفنا بها باستمرار، ولكنه يبدو أنه لازال متحديا ومتوعداً الجميع "بجرذانه" الأليفة والذي يعتقد بأنهم سينصتون له بالسمع والطاعة الكاملة، كونه لازال يرى في نفسه الزعيم الليبي (المقدس) كما كان يتحفنا في كل زيارة له لأي دولة، ثم يشرح لهم مغامراته (الحنونة) في أدغال ليبيا..
فمع كل هذا الوعيد والتهديد الشديد المصحوب بالتشبث القوي بكراسي السلطة، هاهو مثل ثورياً نبيل يقوم وينتزع ظالماً وطاغية من مقعده وأوشك على اقتلاعه ولم تبق إلا لحظات؛ ليدون التاريخ ويسجل ساعة النصر الليبية العظيمة على طاغية قتل.. وسفك.. وهدم.. وشرب الدماء، حتى كاد أن يختنق بها، وفعلاً اختنق وتكبد الذل والمهانة والخزي في الدنيا قبل الآخرة، بعد أن جاءت له فرصة بالمغادرة (بسلم تسلم) كما غادر المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي، فرفض كل هذا واستخدم القوة وظفر بخيبته العظيمة، والتي أراد لنفسه هذه المكانة بعد أن جاءت له فرصة المغادرة المشرفة، لكن الله سبحانه وتعالى في هذا الموقف لم يريد لهذا الطاغية وأمثاله المغادرة بنعيم كما دخلوها بنعيم.
ومع أن الشيء بالشيء يذكر، فإنه لازال الرؤساء العرب يتخبطون.. و يكابرون ويتباهون.. بعظمتهم، يظنون بأنهم (باقون).. وصامدون، ولا أدري في أي صمود؟.. وهم خدام شعب، وليس الشعب من يخدمهم.. ولا أدري أي تشبث هذا الذي يتشدقون فيه؟! ويظلون عليه.. وهم (منبوذون) فلم يعد يطيق حتى أطفال دولهم بالنظر إلى صورهم، التي صار الجميع يتضايق منها ومن وجودها حتى على الجدران.. فماذا بعد هذا! ..وماذا يريدون بعد كل ما عملوها؟، لقد أحرقوا .. وقتلوا ..ولازالوا مستمرين ..في اليمن ..وسوريا ..وليبيا الذي أوشكت على النصر، ومع ذلك لم يفيقوا.. لم يعتبروا.. لم يحتذوا.. ويتعلموا من الدروس ويأخذوها جيداً، من أن الدروس هنا قد كثرت.. وتنوعت.. وتعددت الأصناف والطرق والأساليب، لكنهم رفضوا.. كابروا.. عاندوا.. لتكون النتيجة في الأخير (منذلين) ما بعده إذلال .. والنهاية مشرفة لهم، وهم يقبعون ويمتثلون أمام شعبهم "بالمحاكمة" نتيجة ما اقترفوه وأجرموا بحقه، وما عمرها الثورات قد تفشل وما عمر الباطل ينتصر.. والحق من ينتصر بالأخير وحتى لو تأخر..
عباد الجرادي
معمر يظفر بخيبته.. فهل يتعلمون!؟ 2547