خرج علي عبدالله صالح وهو الخروج النهائي عقب هزيمة حاسمة، خرج من المعادلة السياسية والوطن معاً، من يعتقد أن صالح قد يفكر بالعودة هو لا يفقه أبجديات السياسية وطبيعة النفس البشرية، ومنها نفس صالح الميالة للعظمة.
صالح عندما عاش سياسياً ثلاثة عقود كان الزعيم الأوحد.. المهاب المسيطر.. كثير الحركة.. دائم الخطابات.. الآمر الناهي (مروا، مع)-حسب توصيف علي سالم البيض الشهير قبيل حرب94م المشئومة.
اليوم لم تعد كل المقومات موجودة سقطت جميعها، الواقع تنكر له،البيئة لم تعد صالحة لصالح وطريقة حكمه، وأسلوبه في ممارسة السياسة.
شخصيته أهينت في كل الساحات، صورته سقطت في مختلف الميادين ووسائل الإعلام، نظامه انحسر في العاصمة السياسية، تهاوى في الحصبة وأرحب ونهم، اختفى في أكثر من محافظة ومدينة، الملايين خرجوا عنه جهاراً نهاراً وتنفسوا الصعداء في فضاء آخر، في زمن آخر، في واقع جديد.
التاريخ لن يعود إلى الوراء، هكذا كان يرددها علي عبدالله صالح وهو يواجه خصومه ومناوئيه، كان يقول لهم إن الذين يريدون إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء واهمون، ومن يسعون ليحجبوا نور الشمس مغفلون.
هاهو القانون الكوني يطال صاحب هذه العبارات، ويحق الحق بكلماته ويقطع دابر السكارى، سكارى السياسة من بقايا صالح ونظامه ممن يهيمون في غيهم ويمنون أنفسهم بعودة لا وجود لها، يمنون أنفسهم برجوع الأيام الخوالي، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
الرياح العاتية هبت يا عبده الجندي، يا طارق شامي، اقتلعت "33" عاماً وألقت بالخيمة الصالحية وزعيمها خارج الواقع والوطن والتاريخ، الربيع حل باليمن يا بركاني، وزهوره تفتحت في الساحات والميادين، والثورة بصدد قطف الزهور وتنظيمها في إكليل جميل وتاج يتوج انتفاضة الشعب الذي أراد الحرية وصنع شمس النهار بيديه الطاهرتين.
هو الربيع أقبل ونشر أريجه على كل البطاح في عموم الوطن العربي الكبير، فيما انتهى الخريف، خريفكم وسنين القحط والذل والمهانة وتساقطت الأوراق، وولت السنون والنظام ورموزه، وتلك الأيام نداولها بين الناس، ودوركم انتهى أيها الحمقى، أعلنوا هزيمتكم وارحلوا من عصرنا، كدسوا أوهامكم في حفرة مهجورة، وانصرفوا، آن أن تنصرفوا، وتقيموا أينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا.
ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا، فلنا في أرضنا ما نعمل، ولنا الماضي هنا، ولنا صوت الحياة الأول، ولنا الحاضر، والمستقبل، ولنا الدنيا هنا.. والآخرة ْ، فاخرجوا من أرضنا، من برنا.. من بحرنا، من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا، من كل شيء، واخرجوا من ذكريات الذاكرة.
عبدالرقيب الهدياني
صالح الذي خرج... لن يعود 1971