منصور بلعيدي
يذكر لنا التاريخ ثلاث مدن تعرضت لحوادث كبرى وشرد أهلها ودمرت بنيتها التحتية ونهبت ممتلكات أهلها الأيادي العابثة الظالمة التي لا ترعوي عن الأفعال الشنيعة، واليوم يضيف التاريخ مدينة جديدة إلى تلك المدن نالت مصير سابقاتها بصورة دراماتيكية مؤلمة، خروج أهلها منها وأصبحت مدينة أشباح بعد أن كانت تعج بالحركة والحياة الزاخرة بالعطاء المتجدد وحضن دافئ لكل من آوى إليه هرباً من الجوع والظلم ومتاعب الدهر.
المدينة الأولى: مكة المكرمة، إنها أم القرى كما يذكرها القرآن الكريم عن كونها موطنهم المقدس، لكن كفار قريش لم يرق لهم أن يظهر فيهم رجل يدعوهم إلى الحق المبين، فسموها سوء العذاب، فتجاوزوه وأصحابه إلى طرد قبليته "بني عبدالمطلب"، وحصارهم في الشعب وإخراجهم عنوة من مدينتهم ومسقط رأسهم وسلب ممتلكاتهم، مما اضطر النبي الكريم إلى الهجرة إلى المدينة المنورة، فاستقبلهم أهلها أحسن استقبال واستظلوا بأوفياء المدينة وكانت الحضن الدافئ لهم بعد عناء النزوح القسري من موطنهم الأصلي، لكنهم عادوا إلى بلدهم –بعد حين- فاتحين.
أما المدينة الثانية: فكانت البوسنة والهرسك، حين هاجم أهلها وحوش الصرب، مستغلين انشغال العالم بتفكك الاتحاد السوفيتي والحروب الناجمة عن ذلك التفكك، فانقض الصرب على أهلها انقضاض الأسد على فريسته وقتلوا منهم الآلاف وشردوا ما تبقى على القتل حتى قيض الله لهم حلف النيتو ليعيدهم إلى بلدهم بالقوة، حين كانت أهدافه تقتضى ذلك ا لموقف الإنساني، ليمر من خلاله إلى أوروبا بعد أن كانت عصية على الغرب لأنه في القبضة الحديدة للاتحاد السوفيتي، فكانت أهداف الغرب وأطماعه الاستعمارية بحاجة إلى سبب يوصلهم إليها وكانت البوسنة هي السبب لإسقاط ما تبقى من هيبة الاتحاد السوفيتي وبوابة الدخول إلى أوروبا، وأخرجوا الصرب من مدينة "برستينا" بالقوة وأعادوا أهلها إليها.
أما المدينة الثالثة: فهي فلسطين السليبة، حين دخلها اليهود الغاصبون تحت مظلة الاحتلال البريطاني فقتلوا الكثير من أهلها وشردوهم منها واستولى شذاذ الأفاق عليها في زمن ضعف وخور العالم العربي والإسلامي وتفكك الخلاقة الإسلامية إلى دويلات هزيلة غير ذات جدوى وتقسيم العالم العربي وفق خطة "سايكس بيكو"، فكانت فلسطين هي الضحية، وما تزال ترزح تحت نار الاحتلال حتى يقيض الله تعالى من يخلصها من أسرها.
واليوم تضاف مدينة أخرى إلى المدن الثلاث، إنها مدينة زنجبار رابعة أخواتها في العروبة والإسلام، حين دخلها المسلحون أواخر مايو الفائت وبتواطؤ من السلطة وأجهزتها المدنية والعسكرية لا تخطئه العين، فتركوها نهباً للمسلحين وعصابات النهب والسلب، فعاثوا فيها فساداً لم تشهده المدينة منذ نشأتها في القرن التاسع عشر الميلادي، فخرج منها أهلها نازحين مشردين في أصقاع الأرض، لتصبح مدينتهم خالية تماماً من الحياة البشرية، فتحولت إلى مدينة أشباح، ومما زاد من معاناة أهلها وطأة هو ما أقدم عليه قائد المنطقة العسكرية الجنوبية من إغلاق طريق عدن/أبين، فقضى على ما تبقى من أمل العودة لأهالي المدينة وإن كان تحت وطأة القصف الذي دمر مبانيها وأحالها إلى خراب.
ويتساءل أهالي زنجبار بألم وحزن: من يعيدنا إلى مدينتنا وينقذنا من هذا الوضع المؤلم ولو كان حلف الناتو؟!.
منصور بلعيدي
يوميات نازح.. زنجبار مدينة مظلومة فمن ينصفها؟! 2168