أصبح من الصعب التحدث عن مبادئ سياسية أو قيم نبيلة في ظل هذا التوتر غير المسبوق وغير المتوقع من حملة شهادة الإنسانية التي من أهم مميزاتها الرحمة والتسامح والتعالي عن سفاسف الأمور ووضيعها.
الأخطاء المرتكبة في حق الأبرياء من عابري السبيل هي أخطاء لا يمكن أن تغفرها الأيام أبداً، هذا الإصرار على قطع حبل الوطنية بسيف التعصب يزيد من حمية الطرفين ويقودهما إلى ارتكاب حماقات غير مبررة، لم تعد ثورة الربيع ثورة زهور كما كان يتوقع بعض الجهلة ممن اعتادوا على تصوير الأمور بعدسة اللامبالاة والتهميش وقلة الاكتراث.
فالوضع أصبح صعباً ويكاد الناس بأغلبيتهم الصامتة والمجتهدة في تحمل أعباء مصلحة الناس مع أكتافها، تكاد تخور قواهم وهم يقومون الليل والنهار على أقدام الخوف والحذر، يجب أن يتوقف هذان الطرفان غير المتكافئين، لأنهما لا يمثلان الشعب بأكمله، لازال هناك من يقدم لنا الخبز ومن يقف على طريق الخطر ليوفر لنفسه ولسواه من الناس ما يمكن أن يكون سبباً في زوال الهلاك المحتم، هناك من يحمل نعش روحه على كتفيه لتوفير لقمة العيش الطاهرة من الحرام، لكن ما يحدث اليوم يجعل من لقمة العيش هذه حلماً صعب المنال.
توقفوا عن العبث بذخيرة الأمة اليمنية المطحونة بين فكي الجوع السياسي والسياسة الجائعة، توقفوا عن صرف حقوق الموت العشوائي للأبرياء الذين لا ذنب لهم في شارع جاهل، غير قادرين على تحديد أولوياتهم وتحقيق أهدافهم، ونظام ظل السبيل إلى منهج معتدل يستطيع عبره أن يمتلك ناصية الميزان الشعبي وفق بناء إنساني حيوي، يقدر مكتسبات الفكر قبل أن يمجد لغة الأيدي المتشابكة.
أيها المتعصبون من كلا الفريقين في منتصف الطريق، بين الأحداث تقف أمهات فقدن أثمن ما يملك قلب الأم، ولن تتوقف ألسنتهن عن الدعاء لصاحب العظمة والجبروت في الاقتصاص ممن كان سبباً في موت أفئدتهن، الذين تقطفون زهرة أعمارهم برصاص البندقيات وقذائف الرعب بشتى أنواعها لتساووا أشلاءهم بالرصيف، ليسوا فئران تجارب، هم مواطنون يمنيون لهم حق العيش بسلام وشرف ولن تغادر أرواحهم نطاق الأرض حتى يكتب لهم القدر ذات الخاتمة، فالقاتل مقتول ولو بعد حين.
توقفوا عن انتهاك حرمة هذه الأشهر، قبل أن تضعوا أيديكم على السلاح اعلموا أن الله يضع يده على السماوات والأرض ومن فيهن.
أوقفوا هذه اللعبة واجلسوا إلى مائدة الحوار، لم يعد في الأمر ما يستحق هذه الدموية، إذ أصبحت كل الحقائق مكشوفة والسياسة أثبتت رعونتها وطيشها حين منحت السلاح للعميان، ودفعت السفهاء لإلقاء الخطب، وتمتمت للصم بتعويذة الغناء، فما رأى أحد وما سمع، نرجوكم أن تفكروا ولو لدقائق معدودة أيها القابعون خلف آلة الموت أن ظمأ الأوطان للحرية لا يروى بالدم وأن جوعها للتعبير لا تشبعه الأشلاء الممزقة، الوطن بحاجة إلى عقول وبصائر وأفكار نيرة، تبني لا تهدم، تجمع لا تفرق، تصلح لا تزرع الخراب.
أيها المتناحرون حول النار من المستحيل أن يصبح الشرر حبات برد أو أن يعود الدخان المتصاعد النتن شلالات باردة، الأعيرة الطائشة لا تعود إلى الفوهة مثلها مثل الكلمات التي تغادر الأفواه الخالية من الحشمة.. لا شيء يعود كما كان.. لا شيء.
ألطاف الأهدل
الجوع السياسي والسياسة الجائعة.. 2298