صعدت على المنصة وأمسكت آلة تكبير الصوت بأناملها الصغيرة وبدأت تتأمل الحضور وكأنها تفتش بينهم عن المنقذ المخلص، وفى اللحظة التي آن لها أن تتكلم لتطالب على صالح بالرحيل، ربما كما لقنها الكبار ممن أخرجوا المشهد، جاءت صرخاتها وآهاتها التلقائية أعمق بكثير، حين اتسعت حدقات عينيها لتبتلع الجميع وهى تصرخ (يرحل على صالح يرحل.. قتل بابا).
هي واحدة من أطفال اليمن الذين فرض عليهم صالح وأزلامه اليتم، تماما كما سبق وفرض عليهم الجهل والمرض والحرمان من الوالد أثناء حياته، وهو يتلطم من بلد إلى آخر بحثا عن لقمة العيش.
مر على هذه الحادثة عدة أشهر جاهدت نفسي فيها كثيرا للتخلص من أثقال وأغلال هاتين العينين التي ظلت تطاردني وتشعرني بالقهر والذل والعجز، لكنني اليوم وجدت نفسي أتذكرها بفخر مع نبأ الإعلان عن تشكيل تكتل قبائل اليمن في اجتماع مصغر حضره شيوخ القبائل وعلى رأسهم الشيخ صادق الأحمر شيخ مشايخ حاشد القبيلة الأكبر في البلاد وعدد من مشائخ بكيل ومذحج، ويعد هذا التجمع القبلى الأضخم في تاريخ اليمن، وهو موجه بالأساس لمعارضة صالح ودعم الثورة، وقد صدر عن الاجتماع وثيقة التحالف والنصرة، التي أكد المجتمعون من خلالها الالتزام بحماية الاعتصامات، معتبرين أي اعتداء على أنصار الثورة اعتداء على قبائل اليمن، وأن الرد حينها يكون واجب عينى على أبناء القبائل بالأموال والأنفس.
الآن فقط يمكن القول إن العينين الحائرتين وجدت ما كانت تفتش عنه، فلا يمكن لثورة شعبية سلمية أن تحقق أهدافها في مواجهة أنظمة ديكتاتورية متمترسة بترسانة ضخمة من الآلة العسكرية دون حماية ونصرة. فلماذا يزايدون على الشعب اليمنى ويطالبونه بأن يكون بدعة بين شعوب العالم؟ ألم يحصل الثوار في تونس على دعم القوات المسلحة الوطنية التي عملت على حماية الشعب وإنجاز الثورة، الأمر الذي تكرر في مصر.
المفارقة أن من يزايدون علينا اليوم معتبرين الدعم القبلى انحرافا عن مطلب الثوار بالدولة المدنية، أو أن انضمام فرق وألوية عسكرية للثوار هو خروج عن سلمية الثورة وانزلاق نحو العنف، هم ذاتهم من لطالما اعتزوا بالقبائل والقبلية، بل اعتبروها مصدر فخر حين كانت هذه القبائل تؤيد صالح لعقود خلت. كل هذه المزايدات لم تعد تجد آذانا تطرب لسماعها، الشعب اليمنى الثائر يقولها بعلو صوته (اللى شبكنا يخلصنا)، والقبائل اليمنية تفهم مغزى هذه العبارة جيدا، ومعناها لم يعد خافيا على أحد.
الشروق المصرية
وسام باسندوه
في اليمن.. القبائل والشعب إيد واحدة 1832