إن المتتبع للشأن اليمني جراء انطلاق ثورة شباب التغيير وما أعقبها من أزمات وأحداث دموية ومشاحنات الكر والفر بين الحاكم والمعارضة والشباب الثائر، يدرك جيداً مدى الحجم التأزمي الذي يعاني منه الحاكم المؤتمري، ليس بفعل هيجان الشارع وانسلاخ عناصر من هيكله السياسي ووحدات من أجهزته الأمنية والعسكرية، بقدر ما هو بفعل ضعف عناصر قيادية وإعلامية، التي سيطرت عليه شخصيات أقرب إلى التهريج، شخصيات متورطة في قضايا تمس المال العام وتصل حد خيانة الأمانة وغيرها من الممارسات، وهي العناصر التي يفقد بها الشخص الأهلية القانونية والدستورية، ناهيك أن أحد العناصر الإعلامية للحزب الحاكم صارت تصريحاته منبراً للفكاهات والسخرية أعظم من "طرائف جحا" ونُكات الصعايدة.
ولعل ما يبث في القنوات الفضائية أبقى وأبلغ مما نريد إيضاحه أو مما يريده مهرجو إعلام الحاكم المؤتمري من تركه في لملمة معنويات أنصاره المنهارة ومحاولة التشويش على ثورة الشباب، لينقلب بسببها السحر على الساحر الذي كشف مدى ضعف الدور القيادي والإعلامي لحزب المؤتمر الذي لا تربطهم بتلك المناصب إلا عطايا أهديت في ليلة ظلماء كاحلة السواد.
ويتجلى ذلك من خلال إصرار الناطقين الرسميين للمؤتمر في إتباع سياسة "غوغل" في بث الكذب والإشاعات وإنكار وتزييف حقائق واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، كان من الأولى إصدار بيانات إدانة للجرائم والوعد بالتحقيق فيها وليس تبريرها وتكذيبها، ومنها على سبيل الذكر مذبحة جمعة "الكرامة" وأحداث يوم الديمقراطية ومحرقة تعز، حيث ظهر الناطقون يكذبون وقوع الإصابات ويرمون التهم جزافاً، الأمر الذي أعطى انطباعاً سلبياً لدى العامة والعالم أن الحاكم قد تخلت شخصياته القوية والمرموقة، وأنه لم يعد قادراً إلا على إنتاج أزمات وشخصيات محطمة وعاجزة عن زعزعة عزيمة الشباب والإساءة لثورتهم، وأن كل السياسات والخطوات التي يقوم بها الحاكم المؤتمري في فترة شهور الثورة الستة تجعل الجميع يدرك -وبما لا يدع مجالاً للشك- أن الحزب عاجز فعلياً عن تطوير أدائه أو إحداث أي تغيير محسوس بداخل كيانه، وأنهم لا يقدمون إلا شخصيات تعمل على زيادة الأزمات والإساءة للحزب، خاصة الفشل في توفير الخدمات الأساسية كالغذاء والكهرباء والماء والمحروقات، إلى جانب أعمال البلطجة وانتشار المسلحين بالشوارع والاحتفالات الدموية التي يذهب فيها ضحايا نتيجة إطلاق الذخائر والمفرقعات وما يزيد طين الحاكم بلة هو وجود صراعات تنافسية لمهرجي الإعلام الرسمي للظهور على القنوات الفضائية وارتكاب أعمال بلطجة وتهديد وتخويف وإيذاء والوقوع في مستنقع الفضائح الأخلاقية للعديد من المسؤولين والتي تعد بمثابة القنبلة الناسفة لما تبقى من صرح الحزب الحاكم المتهالك بنيانه.
وهذا يوحي بحقيقة ناصعة البياض أن القيادة التي تعتمد على شخصيات تدير الشؤون السياسية والإعلامية بأسلوب ما قبل الدولة من سلب ونهب الحقوق وهتك الدماء والأعراض، هي قيادة لا تحترم شعبها ولا يحق لها المطالبة باحترامها وأن الخطوة المثلى التي تحفظ ما أمكن من قطرات ماء الوجه، تتمثل في قيام الحزب الحاكم بسرعة محاسبة ومحاكمة المسيئين فيه قبل أن تحاكمهم الثورات الشعبية.
حورية عبدالوهاب إبراهيم
متى يفهم المؤتمر أزمته؟! 1983