بكل تأكيد أن الظلم , والاضطهاد , وانتهاك حقوق الإنسان , والاستبداد، كل واحدة من تلك الصفات كفيلة بإشعال ثورات كبيرة، فكيف بها إذا اجتمعت كلها في شعب أو في منطقة معينة , وهذه الصفات هي من أشعلت الثورات العربية من تونس إلى مصر , ثم اليمن وليبيا ومن بعدها الثورة السورية وكل تلك الثورات قامت من أجل تحقيق مبادئ الديمقراطية , والعدالة الاجتماعية, واسترجاع حقوق الإنسان التي تنتهكها أنظمة تلك الدول والتي تتغنى بها الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية , وتدعي أنها تقف إلى جانب الشعوب المضطهدة لكن الواقع يقول ويثبت عكس ذلك.
لقد فضحت الثورات العربية زيف تلك الادعاءات الغربية والأميركية في وقوفها إلى جانب حقوق الإنسان , والمبادئ الديمقراطية , والعدالة الاجتماعية، فالولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها الدول الأوروبية أثبتت من خلال سياستها مع هذه الثورات بأنها لا تقف أصلاً مع حقوق الإنسان , والمبادئ الديمقراطية إلا إذا كانت تخدم مصالحها قبل كل شيء ؛ صمتت ولم تتخذ أي موقف حازم ضد نظام مبارك أثناء الثورة المصرية , وضلت مواقفها ضبابية حتى أجبر الجيشان المصري والتونسي زعيماً بلديهما على الرحيل، رغم انتهاكات حقوق الإنسان , والظلم , والاستبداد الذي كان يمارس في حق الشعبين التونسي والمصري , وهو ما يمارس مثله إن لم يكن أقل منه في ليبيا وسوريا، لكن لم تكن مواقف أميركا بتلك السرعة وذلك الحزم الذي اتخذته في حق النظام الليبي وكذا في حق النظام السوري, والسبب أنها لا تربطها مع هذين النظامين أي مصالح تذكر، ولذلك أجبرت سياسة المصالح المتبعة في السياسة الأميركية أميركا على اتخاذ مواقف سياسية متناقضة مع الثورات العربية.
ففي حين غضت الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية في مصر وتونس وتغظه عما يمارس من ظلم , واضطهاد , واستبداد في المملكة العربية السعودية وبقية الشعوب العربية التي تربطها معها مصالح متبادلة، سارعت إلى اتخاذ مواقف واضحة وصريحة في حق النظامين السوري والليبي، وتحشد المواقف وتجيش الجيوش لسرعة التدخل لإنقاذ حقوق الإنسان في تلك الدولتين وهي مواقف حق، يراد بها خدمة مصالح خالصة.
في الوقت نفسه لم تتحرك بالشأن اليمني ولم تضغط بالقدر الذي تحركت به في الشأن السوري والليبي، بل على العكس تعمل ليل نهار من أجل إخماد الثورة اليمنية التي مضى عليها خمسة أشهر ودخلت في السادس من أجل بقاء نظام الرئيس/ علي صالح، لأنه من منظور السياسة الأميركية القائمة على لغة المصالح يخدم مصالحها ويلبي تطلعاتها ويوفر لها ما لم ولن يوفره لها لا نظام سابق ولا لاحق.
وبالتالي، فهي تتناغم إلى حدٍ بعيد مع السياسة السعودية في وأد الثورة اليمنية قبل تحقيق أهدافها وكل منهما لها أبعادها السياسية ومصالحها الخاصة من وراء وأد الثورة اليمنية وإفشالها من تحقيق أهدافها.
وعليه، فكل الإدعاءات التي تدعيها من مبادئ ديمقراطية ومن حفاظ على حقوق الإنسان هي إدعاءات زائفة وباطلة، تخفي وراءها أهدافاً استعمارية تسلطية، مصلحية، ليس أكثر من ذلك , وإلا فكيف ظهرت انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا , وليبيا وضاعت في اليمن والسعودية؟ وأين حقوق الإنسان التي تدعيها أميركا من امرأة لا تملك حقها في قيادة سيارتها؟، وإن هي تجرأت على فعل ذلك يزج بها في غياهب السجون الإسلامية لأرض الحرمين الشريفين، ناهيك عن حقها في ممارسة حقها الديمقراطي في انتخاب من يمثلها في البرلمان أو انتخاب ملكها الذي يحكمها، إنها لغة المصالح الأميركية في التعامل مع ثورات الشعوب العربية.
محمد الحذيفي
الثورات العربية وسياسة التناقضات الأميركية 2267