يعاني معظم أهالي مدينة عدن من الفقر بنسبة كبيرة، إذ أن معظم الأسر في هذه المدينة العظيمة يعيلها فرد واحد، وفي معظم الأحيان رب الأسرة، وفي الأغلب تتكون هذه الأسر من خمسة أفراد فما فوق, يدخل مطبخها اللحم من العيد للعيد وفي معظم أيام الأسبوع تتكون الوجبة الرئيسية من رز وشتني ( سحاوق) وصانونة هوى (بطاطا مع صلصة) ويعيدوا يوم الجمعة بدجاجة أو نص كيلو ثمد أو ربما حبتين باغة.

عبده أب لخمسة أبناء "3 أولاد وبنتين" ربى وكبر وعلم.. صرف دم قلبه ولم يتهاون يوماً من الأيام في تعليمهم، فجميعهم جامعيون في مختلف المجالات، فابنه الأكبر خالد خريج تربية والذي بعده خريج حقوق والأوسط اقتصاد والبنتان هندسة ومحاسبة.

طالما حلم عبده وزوجته في أن يتوفق أبناءه في وظائف تضمن لهم العيش الكريم بعد سنين الفقر والحرمان ويشيلوا الحمل عنه، فقد كبر وتعب بما فيه الكفاية، ولكن زي ما يقولوا (جت الحزينة تفرح ملقتلهاش مطرح)، فأبناؤه الخمسة عاطلين عن العمل ولم يتوفق احدهم بوظيفة حكومية تسر الخاطر. 

وأخيراً ابتسم الحظ وهكذا اعتقد عبده, حين توظفت ابنته خريجة الهندسة في إحدى المكاتب العقارية براتب "20" ألف ريال تصرف 5 آلاف في المواصلات، يتبقى 15 ألفاً من راتبها تساهم 10 آلاف لمصروف البيت وتحوش الـ5 آلاف المتبقية بعد أن دخلت بها هكبة.. عملت لمدة سنة ذاقت فيها الأمرين من رزلات و معاكسات وتلميحات رب العمل لها، ولأنها بنت متربية لم يمش حالها واضطرت آسفة ترك العمل وعادت مرة أخرى إلى عاطلة عن العمل!.

أما "هيام" خريجة المحاسبة، فقد وفقها الله بعمل (خاص أيضاً) في إحدى مكاتب تصدير الأسماك وعند تقدمها للمقابلة للوظيفة اشترط عليها رب العمل بأن تخلع البرقع في المكتب، متحججاً أنها ستكون واجهة للمكتب وستستقبل الزبائن يعني (منظر) وعندما رفضت هذا الشرط ترك المدير الموضوع معلقاً وقال لها ابدئي العمل من الغد وبانشوف موضوع البرقع بعدين.. وفعلاً عملت هيام بجد واجتهاد، لم تتغيب أو تتأخر يوماً عن الدوام وبعد 6 أشهر جاء المدير في زيارة للمكتب وتفاجأ عندما راء هيام بالبرقع وقال لها بصريح العبارة البرقع أو تروحي بيتكم وعندما رفضت وعلشان يضغط عليها قال لها بتخرجي بدون مستحقات وشهادة خبرة أو حتى إخلاء طرف، قالت له طز وبيت عبده أولى بي (كما يقول عبده: الأجذم متربوش الحزازة).

أما الأخ/ خالد -الابن الأكبر لعبده- وأخيراً وبعد دعاء عبده وزوجة عبده والجيران أجمعين توظف خالد وجاءته الدرجة الوظيفية وأول ماجاهم خبر التوظيف أمه خرجت إلى الحافة حافية تغطرف وكل نسوة الجيران غطرفوا معها.. المهم بعد ما فرحوا قليل وزي ما يقولوا راحت السكرة وأجت الفكرة, الوظيفة كانت مدرساً في إحدى القرى في محافظة أبين (يا فرحة ما تمت) حاول عبده وابنه طرق الأبواب لمساعدته في نقل ابنه إلى عدن، ولكن لا حياة لمن تنادي.

المهم بدأ خالد وكله نشاط وحماس الموظف الجديد بالعمل كان يصحى مع الطيور يخرج غدره على شان يلحق الدوام المسافة التي يستغرقها حتى يصل إلى المدرسة تقريباً (2) ساعات روحة و(2) ساعة مرواح، يتكلف كل يوم 500 ريال بين مواصلات ومصروف الجيب وعلشان يوفر أكبر قدر ممكن من الفلوس كانت أمه تعمله سندوتشات ودبة شاهي يأخدهم معه وكأنه رايح رحلة للغدير.. يأتي آخر الشهر قد طير من الراتب سلف حوالي (20) ألف ريال.

 المهم استمر 3 أشهر على هذا الحال يخرج غدره و يرجع البيت قريب المغرب، هلك خالد وتعب جداً وطفش وحاول مرة أخرى النقل لمدينة عدن، ولكن في آخر الأمر كان الحل الوحيد أن خرج باتفاق مع مدير المدرسة على أن يحضر يومين في الأسبوع مقابل ربع الراتب يأخذه المدير وهو يدبر الموضوع؟ وافق خالد (مجبراً أخاك لا بطل).

أما خريج الحقوق، فكان حظه دبور لم يتوفق في عمل وأخيراً عمل في مفرش خضرة بيومية 500 ريال وقليل خضرة.

وأخر العنقود خريج الاقتصاد يدبر أموره شهر محصل في باص أجرة وشهر عامل في بقالة.. وهكذا أيام ويقضوها، ولكن يا خيبة عبده.. كانت خيبة عبده في أولاده كبيرة، شباب زي الورد لا ينقصهم شيء سوى الحظ وفقرهم وقلة حيلتهم، فهم ناس أقل من البسطاء وكل ذنبهم أنهم لا يعرفون المسؤول الفلاني أو السارق العلاني. 

فيا ترى يا هل ترى أمثال عبده وأبناءه وهم كثير ماذا يكون شعورهم وهم ينظرون إلى سنين عمرهم تجري أمامهم وهم محلك سر وما هو مصيرهم وإلى متى سيظلون ينتظرون دون أمل وكيف ينظرون للغد (يا سعم المشرق).. وللحديث بقية.