"نريد مجلسا ثوريا يضمن إن طول الوقت لن يشتت الساحة، ويعمل على سد الفراغ السياسي للثورة"... هذه هي الجملة المنطقية التي تسبق عبارة تقول:"إن استطاعت الساحة أن تحافظ على تنوعها السياسي والفكري، الذي تمثله الائتلافات الميدانية، وبذات الوقت توحد جهودها، في ائتلاف واحد مشترك، مع إعلان لميثاق شرف يضع الضوابط فيما بينها، فإنها تؤكد على نضوج الحالة الثورية."
أول انتخابات ثورية
فالثورة في الأساس مشروع سياسي، وهي لم تخمد أو تصاب بترهل أو جمود، ولكنها ارتبكت في مرحلة تحتاج إلى مشروع سياسي جاهز، تواجه به نظام متآكل، فهي وجدت نفسها خارج العمل السياسي عاجزة، لأنها أوكلت المشروع السياسي للتيارات السياسية، ولكنها في الأساس هي المشروع السياسي الذي يراهن عليه فرقاء العمل السياسي.
فمع الحالة الثورية العفوية الحماسية، تحتاج الساحة للتصعيد العملي، الذي يستند على الهدف الذي تحتاجه الثورة لتكون قادرة على حماية أهداف الثورة، من خلال المشاركة في السلطة، مع بقية التيارات السياسية.
فحين تطالب الثورة بالتغيير، عليها أن تساهم في التغيير، وحين يكون عليها اسقاط النظام، يكون عليها هي أيضا أن تجهز نفسها لاستلام السلطة، حتى لا تبقى خارج الفعل السياسي، بعد استلاب السلطة من قبل مربع آخر من مربعات النظام، فتطالب مره أخرى بسقوط النظام، كما يحدث الآن في مصر على سبيل المثال.
فان حدث انتقال شكلي أو اسمي للسلطة، سيعني هذا ان الساحة غير جاهزة، وللنجاة من احتمال الانتقال الاسمي للسلطة، سيكون على الساحة تجهيز نفسها ، للم صفوفها وتوحيد جهودها. والاهم بتصعيد المشروع السياسي لها، وهذا هو ما سيعجل بانهيار النظام، مع تزامن تصعيد ثوري ميداني متدفق الحماسة.
ربما هي تحتاج الآن فقط إلى إن تشكل مجلسها "مجلس قيادة ومجلس تنفيذي" من الكوادر التي داخل الساحة، فليس من المنطقي أن تخرج الساحات بالمطالبة بتشكيل مجلس انتقالي، وهي لم تشكل مجلساً ثورياً يشارك في المجلس الانتقالي، وان كانت الساحة تقصد تشكيل المجلس من قبل اللقاء المشترك، فإن "المشترك" كإطار سياسي مستقل، وكمعارضة رسمية منظمة، وكواحد من مكونات الثورة، لديه حساباته السياسية، التي تكلفه حمل المشروع السياسي لليمن لوحده، في عدم وجود ائتلافات وطنية أخرى، وهو فعليا جاهز تنظيميا لاستلام السلطة، بالنيابة عن الشعب، وهو غير مجبر على تشكيل مجلس انتقالي بمفرده، لأنه سيعتبر ذلك انقلاب سياسي، يفرغ الثورة من مضمنها الشعبي.
لذا فمن مصلحة الثورة أن تشكل مجلساً ثورياً يجمع الجميع وتعطي هي شرعية لبقية المكونات السياسية ومنها المشترك.
فالمشترك سيكون في حال نجاح المفاوضات السياسية وتنحي صالح جاهز تماماً لتشكيل حكومة وطنية، أو للمشاركة في أي ائتلاف وطني . ولكن السؤال موجه للساحة: هل هي جاهزة للمشاركة في حكومة وطنية؟، أما في حال عودة صالح، فانه ما من أداة تقطع حبل المراوغة السياسية وتحمي الثورة إلا المجلس الثوري. مجلس يضمن أن طول الوقت لن يشتت الساحة، ولن يتسبب بفراغ سياسي للثورة.
لأن عدم مشاركة الساحة وممثلي الثورة الشعبية، في أي مشروع سياسي يفقده شرعية، كما أن الساحة التي لم تنظم نفسها سياسيا إلى الآن، تعرقل المشروع السياسي الوطني. وهذا ما راهن عليه النظام في المراوغة السياسية، واستفرد باللقاء المشترك في حلبة الخصومة السياسية، ليصور الأمر انه مجرد أزمة مع الخصوم التقليدين له، فلا النظام ولا رئيسه يتوقعان الآن، أن تنهض الثورة بمشروع جاهز، يحوز على الاعتراف الداخلي الذي يرغم الخارج على القبول به، لان العالم لا يحترم إلا الشجاع والقوي.
والخطوة الأولى التي تمت بنجاح، هي من تضمن إتمام التنظيم الداخلي عن طريق انخراط الفئات المختلفة في ائتلافات ميدانية، تشكل فيما بينها ائتلاف واحد قبل أن يؤدي هذا التنوع إلى اختلاف عميق، فاختلاف الساحة قد يكون بذور صراع سياسي جديد، لا يمكن تجاوزه إلا بالانخراط في مشروع سياسي واحد، والاستفادة من تجربة أحزاب المعارضة في "اللقاء المشترك".
وان نجحت الساحة الآن بإجراء انتخابات ثورية، فإن هذا يؤهلها للانتقال لمرحلة متقدمة من العمل الثوري لم تصل له بعد أي من الثورات العربية.
وستكون الثورة اليمنية سباقة في إجراء أول انتخابات ديمقراطية بعد الثورة، تشهدها ساحات اليمن، وتشكل مجلسها القيادي والتنفيذي، تمهيدا لعقد مؤتمر وطني بعد ذلك يجمع كل التيارات السياسية، فهل نستطيع فعل ذلك؟
الضربة السياسية
الساحة تستطيع بكل سهولة أن تحقق مكسبا سياسيا، في المربع السياسي الذي خرجت منه، وحين تؤهل نفسها للعودة وللاشتراك في اخذ زمام الأمور وقطع كل الطرق السياسية على النظام، فإنها ستبطل مستقبلا أي محاوله للالتفاف على الثورة، فتنقذ الثورة ودماء شهدائها، لسنوات قادمة وليس للان فقط ، والاهم أنها بيدها تدشين المرحلة السياسية الجديدة.
هي فقط المخولة بتشكيل مجلس ثوري، مجلس يشارك بعد ذلك في أي ائتلاف وطني وأي حكومة إنقاذ وطنية، فليس المطلوب مجلس انتقالي، بل مجلس ثوري يشارك في حكومة وحدة وطنية.
أو في أي حوار أو تشاور أو مؤتمر وطني، أو مفاوضات سياسية، بممثلين من داخل الساحة من كوادرها ومثقفيها وشبابها و شيوخها.
الانتخابات التي يمكن الإعلان عنها والتنظيم لها، لتمثيل جميع من في الساحة من شباب وشيوخ ونساء ومتحزبين ومستقلين، وبأخذ صوت كل من في الساحة بالانتخاب الحر و المباشر و السري، لانتخاب مجلس فيه تمثيل نسبي لكل الفئات و الائتلافات .
ومن هذا المجلس يتم انتخاب مجلس قيادة للثورة ومجلس تنفيذي، وصياغة ميثاق شرف توقع عليه كل الائتلافات وكل أعضاء المجلس، يكون هو ميثاق الثورة، وضربة الثورة السياسية.
المهمة لم تنته بعد وأمام الثورة الكثير لتنجزه قبل أن تتحول لمجرد اعتصامات صامته أو مهرجانات خطابية، المهمة الآن عملية، مع استمرار الزخم الثوري، ليظل للثورة بريقها.
monasafwan@hotmail.com