كان مذهلاً خروج الرئيس اليمني/ علي عبدالله صالح بتلك الهيئة أمام الجمهور، إذ أن كل العملية الإخراجية التي رُتبت من أجل تقديمه بصورة مقبولة لم تسفر عن نتيجة تخفي الحقيقة، فقد كنا أمام أطلال إنسان لا يتحرك فيه غير لسانه، بينما بدا واضحاً أنه مشلول بشكل كامل أو شبه كامل، إذ لم تصدر عنه أية حركة تشي بغير ذلك.
لسنا شامتين بأي حال، ففي مثل هذه الحالات تحضر الأبعاد الإنسانية أكثر من أي شيء آخر، ونحن لسنا مثل أولئك الزعماء الذين يقتلون الناس بدم بارد ثم ينامون ليلهم الطويل وكأن شيئا لم يحدث.
القلوب تصدأ، وبعض البشر قد يتحولون بمرور الوقت إلى وحوش لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، وبعض القادة السياسيين من فرط ما يرتكبون من جرائم لا يغدو القتل والفساد بالنسبة إليهم شيئاً يذكر، بل إن الدم يطلب الدم، والقتل يستجلب القتل، والفساد يلد الفساد والمزيد من المفسدين.
خرج الرجل بعد طول انتظار وغموض «غير بناء» وجدل حول صحته، وللأمر بالطبع صلة بالمكان الذي يُعالج فيه، ولو كان في بلد آخر لكان بوسع التسريبات أن تأخذ مداها ويعرف الناس الحقيقة أو قريبا منها، لاسيما أننا إزاء رجل يشرف على حالته حشد من الأطباء لا بد أن يسرِّب أحدهم خبراً عن حالته.
خرج الرجل ليتحدث كما لو أنه بكامل عافيته، وكما لو أن شيئا لم يحدث منذ أسابيع (توقيت الانفجار)، بل منذ شهور ولغاية الآن، فالحل هو التداول السلمي على السلطة، لكأنه رئيس سويسرا وليس اليمن، والحل هو الشراكة، لكأن الملايين لم تخرج إلى الشوارع هاتفة بسقوطه منذ شهور دون كلل ولا ملل.
يا الله، ماذا تفعل السلطة والجبروت والهيلمان بالبشر «إن الإنسان ليطغى»، وكيف يكون بوسعهم أن يصمّوا آذانهم عن كل ذلك الهدير الذي يطالبهم بالرحيل، وكيف يمكنهم أن يقتلوا ويواصلوا القتل من أجل البقاء في السلطة، وهل يصدقون أن بضعة عشرات، بل حتى مئات من الآلاف ممن يهتفون باسمهم مقابل ملايين يلعنونهم تكفي لتشبثهم بالسلطة؟!
كيف للشعب اليمني أن يقبل بعد كل هذا الإصرار الرائع، والبطولة الاستثنائية، والسيل الهائل من الشهداء والجرحى أن يستعيد زمرة علي عبدالله صالح كما لو أن الدنيا لم تشهد ما شهدت منذ مطلع هذا العام (يقولون إنه سيعود إلى اليمن في السابع عشر من الشهر الجاري الذي يصادف الذكرى الثالثة والثلاثين لتسلمه السلطة)؟!.
لقد سجل اليمنيون صبراً يُعجز الصبر، وإصراراً يثير الإعجاب، وها هو رئيسهم بعد أن فجّر جمعه رجل من زمرته، وليس من المحتجين (دليل على أن من يهتفون له ليسوا صادقين في القناعة ببقائه)، ها هو يعود ليتحدث بذات اللغة، ليس لأنه سيعود رئيساً كما كان، بل لأن العائلة والأتباع الذي استفادوا من وجوده ونهبوا البلاد وأذلوا العباد قد رهنوا مصيرهم بمصيره، وهم لذلك يريدون منه أن يسلمهم السلطة قبل أن يخلد للراحة، إن كان له من راحة بعد المتفجرات التي أحالته أطلال إنسان.
ليست هذه الزمرة وحدها هي من أسندت الجسد المنهك وجعلته يتحدث ويطالب بالتداول السلمي على السلطة والشراكة فيها، فهناك قبلهم والأهم منهم أولئك الذين لا يريدون لثورة الشعب اليمني أن تنجح حتى لا تلهم شعوبهم، وحتى لو تتواصل مسيرة الثورات العربية بجد وإصرار، فضلاً عن الولايات المتحدة التي يعنيها الهدف الأخير ممثلاً في لجم مسيرة التغيير في المنطقة.
لعل ذلك هو ما دفع الشعب اليمني إلى إعلان جمعة رفض الوصاية قبل أيام، إذ أنه يدرك تماماً طبيعة القوى التي وقفت طوال الوقت خلف علي عبدالله صالح، ودفعت لجميع الأطراف من أجل وضع العصي في دواليب الثورة كي لا تصل نهايتها المأمولة.
يعرف الجميع ما نقصد، ولا حاجة لمزيد من التوضيح، واليمنيون قبل أي أحد يعرفون الحقيقة كاملة، لكن ذلك لا يحول بينهم وبين المزيد من الإصرار على الانتصار، وتبقى المسؤولية على الذين يترددون في القيام بدورهم على أكمل وجه، وهم تحديداً قادة أحزاب اللقاء المشترك، ومعهم بعض (نكرر بعض) رموز القبائل ممن تغريهم أموال النفط أكثر من أي شيء آخر.
نقلاً عن الدستور الأردنية
ياسر الزعاترة
بقايا رئيس مصمم على الرئاسة!! 2121