من كل اتجاه؛ يجد اللقاء المشترك نفسه في مواجهة ضغوط متزايدة؛ وكان هذا التحالف السياسي وضع نفسه في منتصف الملعب؛ ونَصَعَاً لجميع الأطراف.
شباب الثورة السلمية أفرغوا كل غضبهم بإتجاه المشترك؛ ولم يكتفوا بمطالبته بتشكيل مجلس انتقالي بل وحمّلوه مسؤولية تعثر الثورة وإخفاقهم في الوصول إلى هدفهم النهائي المتمثل بإسقاط النظام.
الانطباع الأولي يجعلك تؤيد الشباب؛ فالمشترك هو من غامر بالدخول في مسلسل المبادرات؛ وتالياً ما جلبته من استنزاف نفسي وجمود في ساحات الفعل الثوري؛ والتحييد المؤقت للحشود الشعبية، غير أن نظرة أعمق توصلنا إلى استنتاج عكسي.
فإذا كانت ساحات الثورة الممتدة في عموم المحافظات اليمنية تشكو المشترك وفشله السياسي؛ أو حتى مراوغاته؛ فما الذي يجبرها على انتظاره؛ كما فعلت في الفرص الضائعة التي يتحدث عنها الشباب من جمعة الكرامة إلى مغادرة الرئيس علي صالح لمطار صنعاء الدولي! ولماذا يطالبه الثوار تحديداَ بتحمل مسؤولية تشكيل وإعلان المجلس الانتقالي طالما لم يعترفوا به كتحالف سياسي وليس كـأفراد؛ باعتباره جزء مهماَ من الانتفاضة الشعبية في اليمن؟
لا يوجد أي مبرر هنا؛ بما في ذلك التذرعات عن حصار الساحات، فمن يريد أن يخرج للتظاهر أو غيره لا ينتظر إذناً من أحد؛ فإذا كان هذا الطرف الذي يقرر التصعيد يحظى بالتأييد من أغلبية الشباب المعتصمين، فسوف يخرج دونما إذن أو موافقة لا من اللقاء المشترك ولا من الفرقة الأولى مدرع؛ ودونما حسابات مسبقة للأمن المركزي والحرس الجمهوري.
إذاً؛ وطالما أن اللقاء المشترك جزء أساسي وأصيل من الانتفاضة الشعبية، فينبغي على الشباب والناشطين أن ينتجوا خطاباً أكثر واقعية في الحوار مع شركائهم في الفعل الثوري؛ وليس اتخاذ المشترك عقبة وهمية، فعماد الثورة ومحركها في الأول والأخير هم الجموع الشعبية الواسعة التي اجتذبها الفعل الريادي لشباب الساحات والحركة المنظمة للأحزاب السياسية.
وينبغي على الجميع أن يضع في اعتباره أن الثورة هي ثورة الشعب اليمني بحشوده المليونية التي جعلت إمكانية وصف ما يحدث من احتجاجات بالثورة أمراً واقعاً.
هذا الاحترام للشعب اليمني يقتضي أن تعيد الأطراف المتهورة شعاراتها الخاصة إلى الأدراج، لأن هذه الثورة خرجت من أجل هدف واحد يتمثل بإسقاط النظام أولاً وبناء دولة القانون والمواطنة للجميع وليس من أجل شعار الحوثي أو شعار الخلافة الإسلامية، لم يخرج اليمنيون ليضحوا بأرواحهم من أجل أوهام الإمامة أو تطلعات إدامة الاستبداد باسم الخلافة.. إذاً، فليرفع أولئك وهؤلاء محفوظاتهم الخاصة وشعاراتهم الجزئية من ساحات الثورة اليمنية.
لم يخرج الشعب اليمني في انتفاضة يصفها الجميع الآن بالثورة، إلا لأن إمكانية تجاوز الأهداف الخاصة والجزئية والذاتية قد تحققت، أما إذا عاد كلٌ لشعاره وبرنامجه؛ فاقرأوا على الثورة الفاتحة قبل أن ترى النور.
الطرف الآخر الذي لم يجد أحداً ليضغط عليه؛ سوى اللقاء المشترك، هو هذا الخارج الأميركي الأوروبي السعودي، الموقف الوحيد المقدور عليه هو الضغط على المشترك.
بداية تدخلهم أثناء ذروة الثورة بحشودها المليونية في إبريل قالوا للمشترك : الرئيس ونظامه في الزاوية والمنطق يقتضي أن تفتحوا له منفذاً للخروج بواسطة الحوار والاتفاق، وإلا فتحملوا مسؤولية الحرب!!، وبعد أن رفض النظام ولاحقاً بقاياه صيغة مبادرتهم، التفتوا للمشترك ليتنازل باسمه وباسم الساحات الشعبية! مع أن المحاصر أصبح المشترك وأحزابه.. والآن وبعد أن رفضت بقايا النظام المضي في تطبيق المبادرة، رفعوا من حدة نبرتهم إزاء المشترك!.
وما أن ضغط الشباب على المشترك لإعلان مجلس انتقالي، اجتمع سعود الفيصل وسفير بريطانيا وأميركا، وأعلنوا دعمهم للشرعية والاستقرار، وتحدثوا عن صحة الرئيس الجيدة؛ والتي تتحسن باستمرار؛ واتصالاته بالملك، دون أن يكلفوا أنفسهم فتح كوة يتنفس منها المشترك المحاصر طالما وقد فتحوا كل هذا الفضاء الفسيح للنظام أو بقاياه!.
مصطفى راجح
أزمة المشترك ... 2266