لا يوجد في شارع الستين بتعز دار رئاسي , ولا مجلس نواب , ولا " سيتي ماكس " ولا حتى دكان لبيع الماء الكوثر , لكن قوات الحرس الجمهوري تعاملت معه كما تتعامل مع شارع الستين بصنعاء , وحّولته إلى ثكنة عسكرية مهولة .
لا يعرف كثير من سكان تعز موقع شارع الستين حتى اللحظة , وحين كان يُتداولكموقع للقصف الليلي , على ريف شرعب , كان اسم الشارع (المعسكر ) يثير الاستغراب : كيف يتواجد شارع 60 , ولا يوجد شارع أول وثاني وثالث , فالمدينة كلها شارع ؟ !.
شوارع المدينة المعروفة قديمة , وتنافس ملكات جمال العالم في الرشاقة , الدراجات النارية , والمجاري تخنقها , ولا تترك للسيارات مجالاً للعبور , الشارع الفسيح , وأحد المنجزات الثلاث , لاستضافة تعز لاحتفالات العيد الوطني الـ20 , تحّول إلى قاعدة عسكرية , وموطن الـ60 قذيفة , التي تهز المدينة بأكملها , كل ليلة .
في البدء , قالوا إنها مجرد " نقطة تفتيش " , ومنذ مطلع الأسبوع الجاري , كانت النقطة تتحول إلى " قاعدة" مدعمة بعشرات الدبابات , والأطقم الحديثة , ومروحيات , حلّقت إحداهن على قرى ريفية هناك ليل السبت , وقصفت بطريقة بربرية , وتوحش القصف , الذي تسبب بنزوح عشرات الأسر , ليل الأحد .
لم تنشأ " قاعدة العوبلي " - قائد الحرس في تعز - من أجل ترسيخ استقرار المدينة , بل من أجل زعزعته , وقصف قرى ريفية في شرعب , المديرية المتهمة بالوقوف مع الثورة , وحماية ساحتها وسط المدينة .
التوغل نحو الأرياف , وإبادة ساكنيها , يبدو أنها الإستراتيجية الجديدة للحرس الجمهوري : "شرعب" تساوي "أرحب" .
قتل سكان الأرياف , وتشريدهم من منازلهم إلى الكهوف , أمر تقتضيه الضرورة , في نظر قوات نجل الرئيس .. هناك , في أرحب , يحاربون " قاعدة " كما يقولون , وهنا في تعز , ينشئون قاعدة للقصف .
الحادث المبهم , الذي أودى بحياة عدة جنود من الحرس صباح السبت الماضي في هذا الشارع, ربما يكون ورقة مدّبرة للإبقاء على القاعدة , وتكثيف القصف على القرى المطلة , والتوغل فيها ربما لتدمير منازلها , بحثا ًعن جناة وهميين .
القاعدة العسكرية في شارع الـ60 بتعز , لا هدف لها سوى عسكرة المدينة , وإدخالها في صراع لن ينتهي بسهولة .. النظام خطط لعسكرهة تعز منذ شهور , حين أفرغ "قاعدة الديلمي" بصنعاء من الطائرات الحربية والدبابات, وأرسلها إلي " قاعدة العوبلي " .. أخفق في إخماد الساحة , ويريد الآن إخماد المدينة بالقذائف ,وهذا ما يجعل محافظ تعز , أمام تحدٍ هو الأصعب لإخماد فتيل أزمة إنسانية , ستنشئ " زنجبار " أخرى .
عاد المحافظ من رحلة علاجية استمرت أكثر من شهر , لكنة وجد نفسه أمام مهمة عسيرة عليه تنفيذها : إيقاف مسلسل القصف الدائم , والعمل على رفع الثكنات العسكرية من شارع الستين , ومستشفى الثورة.
يدرك محافظ تعز أن قائد الحرس الجمهوري ومدير الأمن أمراء حرب , عاثوا في المدينة قتلاً وقصفاً طيلة الفترة الفائتة , وكانوا هم حكامها العسكريين , مستغلين ضعف نائبه و وكلاءه , وعليه الآن ألا يسمح لهم بحكم المدينة مرة أخرى , ومواصلة التنكيل بأبنائها , كما فعلوا في الفترة السابقة , واقتادوا رئيس جامعة تعز من مكتبه , في أسلوب همجي , لا يتعاملون به إلا مع القتلة ,وأثار استيائه , فكيف لا يستاء من قصف مدينة بكاملها ..المحافظ هو المسئول الآن عن أي قصف , وأي إرهاب يمارسه الأمن بحق أبناء تعز .
ما يجري في المدينة من قصف يومي , لا علاقة له بتطبيق النظام , بل بجر تعز التي أرهقتهم بثورتها السلمية , إلى مربع صراعات دامية , يجعل من منفذها الشمالي " حصبة " أخرى .. حروب أهلية يعشق النظام إشعالها في هذا الشهر المشئوم " يوليو" ,لكن تعز أكبر من ذلك , وستحبط مخططاتهم بالتأكيد .
تعز تدرك جيداً أن النظام لا يجيد سوى العنف , ومحاربته بالوسيلة الوحيدة التي يعرفها , ستجعله أكثر قوة وبطشاً , ولذلك ستستمر في نضالها السلمي الذي بدأته , وتميزت به .
alkamaliz@hotmail.com
زكريا الكمالي
شارع ال60 قذيفة 2167