مع انتشار تلك اللجان الشعبية المسلحة وفي الوقت نفسه انتشار الكثير من أفراد القبائل المسلحين، أصبحنا نحتار بين من يحمينا ومن جاء ليأخذ بثأر قديم أو ينهب ما تجود به فرصة الخوف من شبح الحرب أو يتسلى بالرعب في عيون الأبرياء.
كلعبة يجيدها من تربى على أنغام الرصاص، متعطراً بالبارود، محتسياً كأس الدم، عابثاً بأشلاء البشر، نعم يوجد بيننا مصاصو دماء وما نراه في أفلام الرعب يكاد يكون حقيقة بعد ما أصبحنا نرى ذلك العنف والقسوة والصلف واللاإنسانية الواضحة في تقارير الثورات العربية على شاشات فاضحة هي الأخرى باللؤم الإعلامي والشراسة الفكرية والتحليل الموسوم بالتحريض وإثارة الفتن.
لم نعد نعلم من معنا ومن علينا، فكيف نميز إذاً بين من يرهبنا من الموت ومن يرعبنا من الحياة، إذا كان الكل يحمل سلاحاً وما من أحد يجرؤ على استخدام عقله فقط، ونشر السلام كمبدأ ديني واجتماعي وإنساني دعت إليه جميع الشرائع الدينية وباركته كل شرائح المجتمعات القديمة والحديثة على السواء.
الذين جربوا مرارة الحروب ومساوئ الأنظمة الديكتاتورية والأحزاب ذات الأطماع السياسية الغير عادلة وجربوا أيضاً خطورة الانتماء العرقي والتجذر القبلي على المجتمعات حديثة العهد بالديمقراطية، الذين جربوا ذلك يعلمون تماماً أن شعلة الحرب قد تحترق بسهولة، لكنها لا تنطفئ بالسهولة نفسها وأن أسباب الاشتعال مهما بدت واضحة جلية إلا أنها لا تبرر أبداً ما تفعله الحروب وهي تسير في طريقها إلى الانطفاء.
بعد أن نصب الجميع أنفسهم حماة للممتلكات ونسوا أهم ما يملك المرء "الوطن" كيف نعرف صديقنا من عدونا وكيف نفرق بين المدججين بالسلاح والمدججين بالسياسية؟ الكل صار يحمي نفسه من نفسه وبقي الذين لا يؤمنون بلغة السلاح والذين لا يملكون السلاح في منتصف المسافة على خط النار.
ألم يكن الأحرى بهؤلاء وأولئك من كلا الفريقين أن يمنحوا الحوار مساحته المطلوبة بدلاً من حالة الهلع والخوف والارتباك التي سببتها أيديهم لأبناء الشعب الصامتين عن الإدلاء بأصواتهم في أحداث هلامية غير محكومة بقالب سياسي متمكن وغير مسؤولة عن زلزلة الكيان الشعبي الواحد الذي يفهم مطالبه تماماً ويعي أن الأمان مطلب أساسي لقيام المجتمعات مهما كانت مساحة حرياتها ومهما كانت إمكانياتها المادية ضيقة ومواردها محدودة إلا أن الأمان يفتح أبواب العمل والتقدم والإبداع ويعمل على طرح التردد ونبذ الفشل والتطلع للمستقبل بعين التفاؤل والانصهار الكامل في بوتقة الإنتاج واستقطاب مصادر الاستثمار وتحسين مستوى الدخل للفرد والجماعة في وقت واحد.
ومضة:
أتسقط النجوم وهي معلقة بأبواب السماء، أتسقط وهي تسير حافية على حبال المطر؟! أتسقط وهي راكعة في محراب ربها ليس بينها وبينه حجاب؟! أتسقط وهي باسطة ذراعيها بالوصيد أمام كهف المظالم تخاف أن يوصد في وجه الأبرياء ممن وصفوا بريقها وتغنوا ببهائها وترنموا بسطوعها، بل وسامروها ليل باتت تشكو الوحدة والغربة.
لا تسقط النجوم أبداً حتى وإن سكنت الأرض وأرغمتها الأيام أن تمتد بجسدها تحت أقدام البشر، هي أعلى من سكن الأرض حين تكون وطناً.
ألطاف الأهدل
لجان حماية ولجان رماية 2266