لماذا الثورة:
بعد أن جثمت الأنظمة العربية على صدور شعوبها عشرات السنين وصارت تنهج سياسة التوريث في العديد من الجمهوريات ولم تلتفت للمواطن العادي في بلدانها وما يعانيه من ظلم أنصارها وقسوة العيش في ظل نظامها، وانتشار الفوضى وغياب الأمن، في الوقت التي كانت تلك الأنظمة تتفاخر فيما بينها بالزعامات الأسطورية والتدخل في شؤون بعضها البعض والتسابق نحو عالم الثراء الفاحش والاستثمار في البلاد العم سام وغيرها من بلدان العالم وبناء القصور الرئاسية المزخرفة للتمتع بها والجيوش لحمايتها، وكذا موالاة الدول العظمى لحمايتها من شعوبها في الوقت الذي كانت فيه بلدان العالم تتسابق في التنمية البشرية والاقتصادية والعسكرية والتقنية ونهب خيرات وثروات بلادنا تحت مسميات عدة، لذلك جاءت الثورة التونسية كفوهة بركان شديد الفوران والاندفاع، أو سونامي عنيف اجتاح معظم الدول العربية.
إذاً الظلم والفساد والتوريث والحالة الاقتصادية الصعبة لدى عامة المواطنين أو الجوع تعد أهم أسباب الثورات التي تشهدها اليوم العديد من البلدان العربية ولا يزال البعض الآخر ينتظر دوره.
وبالنسبة لبلادنا اليمن فإن غياب الدولة وهيبتها وعدم تطبيق النظام والقانون قد أذاق الملايين من عامة المواطنين كافة أشكال وأنواع الظلم على أيدي الجهات الأمنية وعناصرها التي تحولت مهامها من حماية المواطن وتوفير الأمن إلى وسيلة للدخل اليومي من خلال ابتزاز المواطن ونهب ما لديه بالعديد من الطرق القمعية والتعسفية وقد يصل الأمر إلى تلفيق تهمة ضده في حال رفض دفع أي مبلغ يتم فرضه عليه من قبل تلك العناصر، وطبعاً المواطن العادي إذا لم يكن لديه ظهر كما يقولون فرحمة جندي الأمن خير له من رئيس الجمهورية وكافة اللوائح والقوانين.
المشائخ والشخصيات الاجتماعية تحولت هي الأخرى في ظل نظام الرئيس: إلى إحدى وسائل الظلم والقمع للمواطنين وابتزاز حقوقهم ومصادرة حريتهم سواء المواطنين الذين يتم وصفهم برعية الشيخ أو غيرهم، خاصة وأن الشيخ/ هو الصادق لدى الدولة ورجال الأمن والنيابة والمحاكم ولديه علاقات قوية معهم ومصالح مشتركة على حساب ذلك المواطن المغلوب على أمره، والشيخ تجده هو رئيس فرع المؤتمر في منطقته وعضو المجلس المحلي وعضو مجلس النواب والشورى، حيث يتم توزيع تلك المناصب عليه وعلى أبنائه وبقية أفراد أسرته.
الرشوة والمحسوبية:
في ظل غياب هيبة الدولة انتشرت الرشوة، حيث صار الموظفون الصغار والكبار يتسابقون لعمل أرصدة في البنوك وبناء المنازل وشراء السيارات الفارهة وكذا شراء الوظائف التي تدر بالدخل اليومي على حساب أمن الوطن واقتصاده وليذهب القانون إلى الجحيم وهنالك يستطيع التاجر أو الشيخ أو المغترب وكل من لديه مال أن يغتصب أرضية مواطن أو يعتدي عليه، أو يصادر حريته دون أن يجد المجني عليه أي إنصاف من قبل الجهات المعنية بالدولة، مادام الجاني صاحب مال وباستطاعته تحريك كافة تلك الجهات وموظفيها في خدمته وتحقيق مصالحه على حساب حقوق ومصالح الآخرين.
وهنالك الكثير من القضايا الخاصة بالظلم وانتهاك الحقوق والحريات ونهب أراضي المواطنين، كانت قد تناولتها الصحف الأهلية والحزبية والمواقع الالكترونية وحتى الفضائيات والإعلام الخارجي، لكنها في الأخير تصطدم بوساطة من العيار الثقيل تعمل على تضليل رأس النظام بالعديد من المبررات الواهية والكاذبة وتسييس تلك القضايا الحقوقية، لنجد رأس النظام في الأخير قد وقف إلى صف الظالم على المظلوم، لذلك دائماً ما يربط الكثير من المواطنين انتشار الظلم برأس النظام باعتباره المسؤول الأول في تطبيق النظام والقانون وفرض هيبة الدولة ولأنه الداعم والمساند لذلك الشيخ المتنفذ والمسؤول الفاسد وغيرهم.
الفساد: وهذا العامل بحاجة إلى مجلدات ولوفتشنا قليلاً في تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لاكتشفنا آلاف القضايا والتي معظم مرتكبيها هم من مسؤولي الدولة من درجة مختص ومدير إدارة إلى وزير وخلال الثلاثة والثلاثين العام الماضية لم نسمع محاكمة لفاسد واحد في قضايا الفساد الكبيرة، كما أن هنالك فاسدين قد أدمنوا على الفساد ولا يزالون في مناصبهم منذ عشرات السنين، وعندما يطرح أي شخص موضوع مثل أولئك الفاسدين ويطالب بتغييرهم تظهر وساطات عليا مرة أخرى وتطرح مبررات واهية أمام رأس النظام للدفاع عن الفاسد وتسييس قضيته بأنه قيادي مؤتمري فاعل في المنطقة وهو مستهدف من قبل المعارضة وغيرها من المبررات التي لا علاقة لها بما ارتكبه من مخالفات ونهب للمال العام ليتم التغاضي عنه ويستمر في منصبه ومخالفاته، وبذلك يصبح رأس النظام هو المسؤول الأول عن انتشار الفساد وحماية الفاسدين
المجاعة: رغم أن بلادنا غنية بالثروات المعدنية والحيوانية والسمكية والأراضي الزراعية، لكن سياسة اختيار الحكومات وأعضائها وفق الوساطات والمناطقية والمحسوبية والعلاقات الشخصية قد تسببت في غياب الخطط التنموية والبحث عن خطط المصالح الشخصية والحزبية على حساب المصالح العامة، كذلك هنالك سياسة انتهجها النظام في بلادنا تمثلت في تعيين الكوادر الفاشلة وفق المعايير السابقة الذكر وتهميش ومحاربة الكوادر الكفوؤة والمؤهلة والمخلصة حتى يظل رأس النظام هو الأفضل من غيره من المسؤولين في الدولة.
ونظراً لما سبق فإن الجماهير اليمنية كغيرها من الشعوب العربية قد خرجت إلى الشارع بعد أن ملت من الخطط الوهمية والخطابات الجوفاء لتعلن عن قرارها بعدم العودة إلى منازلها إلا بعد رحيل النظام، ورحيل النظام لا يعني رحيل الرئيس فحسب، بل رحيل منظومة فساد متكاملة ومرتبطة مع بعضها البعض ابتداءاً من الرئيس وانتهاءً عند أصغر مدير إدارة فاسد في أي مرفق حكومي، وقد جاءت الثورات العربية في وقت كانت بلادنا تعيش خلاف حاد بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة ممثلة بتكتل اللقاء المشترك حول الانتخابات البرلمانية الرابعة والتي كانت من المقرر إجراؤها في الـ27 من أبريل الماضي بعد تأجيلها عامين من اتفاق فبراير الشهير، حيث كانت المعارضة لديها العديد من المطالب وفي مقدمتها القائمة النسبية وتصحيح جداول الناخبين وتشكيل لجنة انتخابات محايدة ونظام برلماني وحل القضية الجنوبية وغيرها من القضايا في الوقت الذي كان فيه النظام ممثلاً بالحزب الحاكم يعد لدخول الانتخابات حتى ولو بصورة انفرادية، كما وضع العديد من التعديلات الدستورية التي تضمنت صراحة موضوع التأبيد والتوريث، لكن خروج الناس إلى ساحات الاعتصامات بعد رحيل نظام مبارك وبن علي، أدخلت البلاد في منعطف آخر، حيث صار الوضع أكثر تعقيداً، مع مرور الأيام استمرت مطالبة المعتصمين بإسقاط النظام والرحيل واستمرار النظام على المراوغة والتشبث بالسلطة، ورغم سقوط مئات القتلى وآلالاف الجرحى لا يزال الخلاف حول ما تشهده البلاد، هل هي ثورة شبابية، أم أزمة سياسية، هذا ما سنتطرق إليه في العدد القادم إن شاء الله.
عبدالوارث ألنجري
الثورة بين مقومات الانتصار وعوامل الإخفاق 2003