والآن بعد أن كفكفت قافلتنا دموعها وأصبحت حرية الرأي دخاناً وحق الاختلاف سراباً والوطن خيمة، الآن بعد أن اتشحت الحالمة بلون الحزن وتعطرت بنكهة البارود وتلطخت أعطافها بقذارة السياسة، تلك السياسية التي أثقلت ميزانها بالجور والبهتان وأطعمتنا ثمرة الحرمان.
ماذا بعد أيها الشباب؟ ها قد أصبحت تلك الثورة مسلحة وهذا ما كنا نخشاه وتحدثنا عنه معكم ومع سواكم ممن لقنكم أبجدية الموت وحرمكم النطق بالشهادة، وعلمكم النزول إلى الميدان ولم يمنحكم آلية الدفاع عن النفس.
ها قد انقسمت الأحزاب والطوائف والقبائل وأصبح الأخ يقف في وجه أخيه والرجل يتربص بجاره والكل غارق في لعب دور البطولة على مسرح الوطن.
أيها الشباب في وجه من تقفون؟ من تقتلون ومن تأسرون؟ شباب مثلكم في عمر الزهور وسن البراعم اليانعة وشموخ الرياحين السامقة، أنتم من كلا الفريقين أبناؤنا الذين ذابت معالم شبابنا ونحن في انتظار أن نراكم رجالاً تهزون عرش التاريخ بسواعد العمل وتحملون هم الأوطان على أكتاف الأمل.
شاخت نواصينا ونحن نقف في محراب الابتهالات، يكبر الصغير فيكم ويعود الغائب منكم ويشفى المريض ولو سقيناه ما تبقى من أعمارنا بلسماً شافياً، توقفوا عن إراقة دماء بعضكم البعض، فما من أحدٍ يستفيد من تلك الدماء.
الكبار يبقون كباراً والحاشية تبقى دون العرش والضعفاء تبقيهم إرادة الله أقوياء به وليس بسواه، أنتم من كلا الفريقين كفتا ميزان يحكمها العدل، بكم جميعاً يستمر قلب اليمن بالنبض ورئتاه بالتنفس، فلا تمزقون شريان الوطن بمشرط الانقسام والتحزب والتخريب.
لا تقتلوه، فيكفيه ما فيه من جراح وآلام، هو في انتظار أن تحموه بسياج وعيكم وتعقلكم وإدراككم لمعنى الأمان والطمأنينة لكم وللآخرين من الأمهات والأطفال والشيوخ الذين يرون فيكم خلاصة الأمل ورمز القوة وإيقونة الفهم والوعي وقمة النبل ويقظة الضمير.
لا تخذلوا هؤلاء الذين منحوكم ثقتهم وأردفوا عليها بابتهالات الغسق، قائمين في محراب الخوف لا يرجون سوى أن تكونوا هنا لتشهدوا إشراق شمس اليمن الموحد من جديد.
أيتها الأمهات.. يا من سكن حجوركن أطفال بلون الماء وبراءة السماء، لا تلقوا بأبنائكم إلى التهلكة وأنتن تعلمن أن القضية وطن وأن الأوطان كالأمهات.
قد تتشابه الأرصفة وتتشابك المسافات وتقف الأمنيات حاشرة للعبور على الطريق، لكن لا تضيع العناوين ولا تختفي المعالم مهما ابتعدت الأرصفة عن المدن ومهما بدت قدراتنا محدودة ورغباتنا مسكونة باليأس، لأنه لا أرصفة تسرق الانتماء وتبيع الجذور وتشتري أنساب الناس وعروقهم.
على الأرصفة يبدو كل شيء صغير وكأننا تعملقنا بأرواحنا لنعيش بنوايا زاهدة لا ترغب إلا في الارتقاء إلى السماء.. السماء رصيفنا العلوي الذي لا تسقط على وجهه الجيف ولا تتفرع عن حوافه زوائد أنثوية أو ذكورية ساقطة في وحلِ الرغبة والاشتهاء.
////
ألطاف الأهدل
إلى شباب هذا الوطن 2138