أن تكون ثائراً فمن الطبيعي أن تصبح سياسياً بامتياز، ولكن العكس ليس بالضرورة صحيحاً.. الثورة استمدت شرعيتها لأنها نابعة من الشعب، معبرة عنه، تجمع في حناياها مجموع الشعب بفئاته وأطيافه.. ليس عيباً أن تمارس الأحزاب السياسية المعارضة مهمتها في العمل السياسي والهادف إلى تحقيق أهداف الثورة.. قد تخفق تلك الأحزاب نعم، قد تنجح ربما.. وحين يكون الهدف واحداً ومعلناً، فلهم أن يمارسوا ما يشاوؤن.. ولكن ليس صحيحاً أن يرتهن القرار الثوري وبرنامج الحسم الثوري لنتائج العمل السياسي أو أن تمارس الأحزاب الداعمة للثورة الوصاية على قرار الثوار، فحين نقول إن الثورة شعبية شبابية، فإن المعني برسم مسيرتها والحفاظ على زخمها ووهجها وبلوغها غاياتها هم جموع الثوار-الذين واصلوا الليل بالنهار في ساحات الشرف والبطولة وعطروا مسيرة هذا الثورة بدماء زكية غالية- وليس المنظومة السياسية.
ولذلك لماذا يراد لبوصلة الثورة الانحراف نحو صراعات لا أساس لها بين منظومة متكاملة تصطف خلف هذه الثورة ؟ ولمصلحة من يراد لهذه الثورة العظيمة أن تجهض؟.
إن الثوار اليوم أمام امتحان حقيقي للصمود وحسن إدارة مراحل النصر ذلك أن بزوغ بشارات تحقق الجزئية الأولى من أهداف الثورة قد أضحى جلياً بسقوط صالح وأركان حكمه بحفرة حفرها بيده، وبالتالي فإن ذلك ينبغي أن يكون دافعاً أساسياً للتحول نحو مرحلة الثورة الكبرى والتي تتجلى الآن في مواصلة تحقيق كامل الأهداف دون الالتفات إلى أي تسوية سياسية، وعدم السماح لأحد من الداخل أو الخارج الانتقاص من ثورتنا أو الالتفاف عليها، خصوصاً بعد التأكد من توجه بعض الدول العزيزة على الشعب اليمني للاستهتار بالثورة وإدخالها الفريزر الملكي، يقول الغزالي (( إذا احتدمت المعركة بين الحق والباطل حتى بلغت ذروتها وقذف كل طرف ما لديه ليكسبها، فهناك ساعة حرجة يبلغ الباطل ذروة قوته ويبلغ الحق أقصى محنته والثبات في هذه الساعة الشديدة هو نقطة التحول والامتحان الحاسم لأيمان أهل الحق)).
أن المطلوب اليوم في هذا الوضع هو الصمود والثبات ورفع وتيرة النضال الثوري والالتفاف الشعبي والمجتمعي والاستمرار بالبرنامج الثوري كما تم رسمه وعدم التفاوض مع أي طرف إلا بما يحقق الأهداف بوضوح لا لبس فيه وتفويت فرصة التقاط الأنفاس للنظام المترنح والضغط على المجموعة الداعمة له محلياً وإقليمياً ودولياً والابتعاد عن التشرذم والاختلاف ولنترك للأحزاب السياسية أن تمارس ما تراه مناسباً خصوصاً وأنه ينبغي أن لا سلطة لهم على القرار الثوري ، فإن خلصت حواراتهم السياسية إلى ما نطمح إليه فذاك جهد مشكور وهم شركاء النضال وإن أخفقوا فإننا لن نتوقف عن نضالنا ابتداء وذلك انتظاراً لنتائج عملهم، وعلينا الحذر من الممارسات التي ينتهجها أزلام النظام والداعمون له لإدارة الثورة المضادة من الآن من خلال خلق فجوات وتباينات بين الثوار والسياسيين الداعمين للثورة، فالمسار السياسي عليه أن يمضي بخياراته وآلياته والمسار الثوري عليه أن يمضي كذلك دون تداخل أو أتكال، وعلينا أن ندرك بوضوح أن الثورة تحتاج لجهود الجميع دون استثناء، فهي ثورة شعب.
د.عبدالله العليمي
الثورة بين الثوار والسياسيين 2367