لم يتمكن النظام من تجاوز شباب الساحات، وهو بكل قوته، جرب طوال أربعة أشهر كل ما لديه من مخزون، وتجارب قمع وحملات، وأثبت الشباب أنهم أقوى من كل هذه المنظومة القمعية.
هؤلاء هم الفاعل الجديد في الساحة اليمنية وإذا كانت السلطة التي تدير مراكز قوة وتحكم استغرق بناؤها ثلاثة عقود، قد فشلت في تجاوزهم وتفكيكهم وانتهت بها الحال إلى التفكك وفقدان الشرعية والسيطرة بفعل استمرارية الاعتصمامات والاحتجاجات لأربعة أشهر، فسيكون من الصعب أن يتجاوزوا هذه الساحات الشعبية.
مثل هذه الهواجس تتداعى إلى الذهن في ظل حالة ترقب لما ستخرج به هذه الأطراف، التي نشطت إلى درجة تتجاوز دورها كعامل مؤثر على الحدث الداخلي، تراقبه وتؤثر فيه، إلى بروزها كمحدد رئيسي للوضع القادم.
خرج الرئيس صالح من اليمن، بعد حادث لازال عامضاً، ومهما قيل عنه، تبقى كل السيناريوهات المتداولة، مجرد قراءات وتخمينات لما حدث في ظل عدم صدور بيان رسمي، يوضح نتائج التحقيقات التي تجريها الجهات المعنية.
الغريب أن جملة ردود الأفعال الصادرة عن هذه الأطراف بداية من المحيطين بالرئيس، أجهزة أمنية وعسكرية وبنية النظام، والخارج الإقليمي والدولي، تظهر وكأنها غير مندهشة، لم ترتبك، لم تظهر أي رد فعل يوحي بأنها فوجئت بالحدث، وهو حادث كبير وليس عادياً.
من جهتها أيضاً ظهرت الثورة، من ساحات الاعتصام الشعبي إلى القوى المساندة لها. "الجيش، اللقاء المشترك" مرتبكة وفوجئت بالحدث، وهذا يفسر حالة الجمود والشلل التي أصابتها، وظهرت في نفس حالة انعدام الوزن التي بدت على مراكز القوى والتحكم التابعة للنظام عقب الحادث لأيام طويلة.
هذه الوضعية نقلت زمام المبادرة وتقرير الوضع القادم إلى الأطراف الخارجية، وتحديداً أميركا والسعودية، فسفير الأولى أظهر نشاطاً يفوق بكثير نشاط الأطراف المعنية ومستوى حركيتها، ويتجاوز وضعيته كسفير يتحدد اهتمامه بالبلد في حدود المراقبة واللقاءات التشاورية بين الحين والآخر.
من جهتها بدت المملكة وكأنها جمعت خيوط التسوية بين يديها بإمساكها ورقة الجوكر، ذلك أن عودة الرئيس المستضاف في أحد مشافي المملكة، تحولت إلى ورقة سياسية، تتحدد كنتيجة للتسويات المحتدمة في الكواليس وتتجاوز التقارير الطبية والتشخيصات التي تركت مجالاً خصباً لتقارير الوكالات وتخمينات السياسيين والجمهور عموماً، فلو أن حوارات الغرف المغلقة توصلت إلى إنجاز الإنتقال السلمي للسلطة فسوف يبقى علي صالح في السعودية سواءً كانت حالته مستقرة أو سيئة.
أما إذا فشلت التسوية ورأت الشقيقة الكبرى وأميركا أن شكل النظام الذي تريده يقتضي عودة علي عبدالله صالح فسوف يعود سواءً كانت حالته جيدة أو فسيعود سواءً مارس سلطته بنفسه أو مورست باسمه من قبل إبنه أحمد وفريق عمله.
والأكيد أن انتقال السلطة سلمياً عبر التسوية إذا لم يتم في ظل تواجد رأس النظام في السعودية، وفي ظل وضعيته الصحية الغامضة الآن، فلن يتم هذا الإنتقال عقب عودته للبلد، وإنما سيفتح المجال واسعاً لإعلان الثورة السلمية مجلساً انتقالياً موازياً للسلطة القائمة مع ما يحمله ذلك من خيارات المواجهة وتصعيد الثورة بإسقاط المحافظات الممكن سقوطها بيد الثوار وإعلان سلطتهم الواقعية عليها، وهذا هو الطريق الإجباري الذي سيجد الثوار السلميون مجبرين على المضي فيه إذا أرادوا لثورتهم النجاح، وعدم الدخول في حالة موت سريري في الساحات التي تجاوزت اعتصاماتها الأربعة أشهر.
ولن تبدو جمل الدبلوماسية الأميركية المقتضبة حينها مرفوقه بهمسات الأشقاء المتحرجين في الحديث عن الخيارات السياسية علناًً، لن تبدو هذه الأحاديث عن الانتقال السلمي للسلطة والمبادرة الخليجية، إلا كمهزلة وسماجة تثير الغضب والاشمئزاز أكثر من قدرتها على التأثير على الثورة السلمية وعرقلتها.
ومن المعروف عن الموقف السعودي تحفظه إزاء الموجة الثورية في البلدان العربية، ويبدو أن مخاوف اليمنيين في محلها، فلم تفلح كل رسائل المودة والجوار والأخوة التي أبدتها ساحات الاعتصام المكتظة بملايين اليمنيين في تحريك الموقف السعودي، باتجاه الشعب اليمني، حتى أن المملكة التي تقود الجهود السياسية كلها لتتعامل مع الثورة اليمنية لم تكلف نفسها استنكار قتل عشرات اليمنيين في ساحات الاعتصام بتعز وغيرها من المدن اليمنيين واكتفت بالدعوة لوقف العنف.!
ربما يكون هذا الحذر والتحفظ قد نجح في تجميد الموقف الدولي لبعض الوقت غير أنه قطعاً لن ينجح في تجميد الثورة اليمنية، واحتوائها.
مصطفى راجح
هل اختطف الخارج "السعودي الأميركي" زمام المبادرة والفعل من الثورة اليمنية؟؟ 2347