البعض من المسؤولين يبهرنا مظهره الخارجي الأنيق جداً، فلكم انخدعنا في هذا البعض "المهندم" أكثر من اللازم، ظانين كل الظن أن في مداومته على "الهندمة" و"اللباقة" في الحديث عن التطور والتقدم والتحديث....إلخ، ما يدل على تحرره من الأفكار البالية وعلى اتساق كلامه الجميل بشكل وصورة زية "هندامه" الفاخرة، ولا أستطيع هنا أن أصف لكم أعزائي القراء مشاعري إزاء تصرف مسؤول من هذا الطراز عندما بلغ به الضيق مبلغة من نفرٍ من الناس من منطقة نائية تقع في إطار مسؤوليته الإدارية، فلقد صب هذا جام غضبه على سكان هذه المنطقة دون استثناء بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ "العجز" متوعداً إياهم بمحاربتهم وحرمانهم من كل المشاريع وشتى الخدمات طالما أن أولئك النفر المغضوب عليهم ينتمون إلى تلك المنطقة؟!
وللحقيقة أقول بأنني كنت لا أصدق لما سمعته عن هذا المسؤول حتى رأيت بأم عيني ذلك الموقف، سمعته ـ هذا المسؤول ـ يرفض طلباً كتابياً لمعلم قدير وتربوي فاضل من تلك المنطقة يطلب فيه التعميد على ورقته لا غير، فلقد قال هذا المسؤول موجهاً الحديث نحوي: من أي منطقة هذا؟ أجبته: من منطقة "......."، وهي منطقة نائية كما تعرف، فلم يمهلني المسؤول كلامي أتم فاحتج وارتج وأزبد وأرعد وقال بكل غضب: من منطقة "...." والله "حرام طلاق" لن أكتب لفظة واحدة لواحد من هذه المنطقة لو جاء من جاء، أنسيت أن في هذه المنطقة انفصاليين ومخربين ومطلوبين للعدالة؟!! فقلت له: يا أستاذ لا يجوز مؤاخذة كل الناس بسبب الأفراد الذين تقصدهم، وإنه ليس من المعقول تعميم العوقبات على الجميع، وأردفت حديثي بسؤاله عن الذنب الذي اقترفه هذا المعلم الذي خدم في السلك التربوي والتعليمي ما يناهز الثلاثة العقود بكل إخلاص وشرف وتخرج من تحت بداية المئات منا لكوادر والذين أصبح منهم الوزير والسفير والقائد العسكرية وووإلخ، حتى يعامل هذه المعاملة ويحرم من حق مشروع له؟ فلم يجب إلا من التذرع بأعذار واهية وسخيفة وبأسباب كلها ظالمة وظلامية.
وبصراحة أقول: إن أشد ما أحزنني وروعني في هذه الأثناء هو فهم هذا المسؤول القاصر لآيات الله البينات، فلقد استشهد في خاتمة كلامه بل وعيده وتهديده بقوله تعالى: ((وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا))، فلقد تصور صاحبنا في مخيلته أن سكان هذه المنطقة الذين يقصدهم من رواء سرد هذه الآية الكريمة ليسوا مسلمين يمنيين وإنما كفاراً وفدوا من بلاد الغرب ويجب معامتلهم بكل قسوة وخشونة!!.
وإن كان فهم بعض المسؤولين كهذا المسؤول فماذا ننتظر لهذا الوطن والمواطن في ظل مثل هذه المفاهيم الرديئة التي تستعدي الكل، ويجرم الجميع بلا خوف أو وجل من الله عز وجل القائل في محكم كتابه العزيز: (( ولا تزو وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حمله لا يحمل منها شيء ولو كان ذا قربى))..
طبعاً أن يصير حال الوطن والمواطن إلى هكذا حال من البؤس والمعاناة والجور، والذي ثار الشعب لتغييره واستشراف وطن يسود فيه العدل والمواطنة المتساوية والقانون، وطن تصان فيه كرامة وآدمية المواطن.. وطن تنتفي فيه مثل هذه المفاهيم العقيمة.. وطن يُحاسب فيه المسؤول الكبير قبل الصغير إذا أخطأ أو ظلم واستكبر.
ALhaimdi@gmail.com
محمد الحيمدي
مفاهيم عقيمة 1749